مسألة كبرياء - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسألة كبرياء

نشر فى : السبت 7 نوفمبر 2015 - 8:20 ص | آخر تحديث : السبت 7 نوفمبر 2015 - 8:20 ص

لم يتوقع الوفد الرسمى الذى صاحب الرئيس إلى لندن أن تتصدر قضية سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء المباحثات مع رئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون».
دون تشاور مسبق وجد المصريون أنفسهم أمام جدول أعمال مختلف عن الذى جرى إقراره بين الطرفين قبل أن تبدأ الزيارة.
جرت العادة الدبلوماسية فى الإعداد لمثل هذه اللقاءات أن يطرح كل طرف أولوياته وأسئلته التى يود الحصول على إجاباتها قبل التوافق على جدول الأعمال.
من قواعد الاحترام إذا ما طرأ جديد يستدعى تغييرا على جدول الأعمال وأولوياته إخطار الطرف الآخر لا مباغتته خارج قاعة المباحثات بمواقف أقل ما توصف به أنها خروج خشن على أصول الضيافة.
قبل أن تبدأ أية مباحثات مع الرئيس المصرى الذى كان قد وصل إلى لندن سارع رئيس الوزراء البريطانى ووزير خارجيته «فيليب هاموند» إلى إطلاق تصريحات متلفزة تعلن تعليق أية رحلات سياحية إلى شرم الشيخ استنادا إلى معلومات غير مؤكدة منسوبة إلى الاستخبارات البريطانية بأن الطائرة الروسية تعرضت لحادث إرهابى بعبوة ناسفة.
من حيث المبدأ العام لكل دولة الحق الكامل فى حفظ سلامة مواطنيها بالخارج وأن تتخذ ما تراه من إجراءات احترازية إذا رأت أن هناك خطرا محتملا أو شكوكا فى مستوى التأمين داخل المطارات.
غير أن الحسابات السياسية غلبت الإجراءات الاحترازية بفداحة.
فبريطانيا ليست طرفا مباشرا فى حادث الطائرة المروع، لم يسقط لها ضحايا ولا توجد أخطار محدقة برعاياها المتواجدين حاليا فى شرم الشيخ؛ إذ يمكن أن ترسل ما تشاء من وفود فنية وأمنية تطمئن على كفاية إجراءات التأمين لعودتهم سالمين إلى بلادهم.
قبل عشرة أشهر أرسلت وفودا مماثلة للمطار نفسه أكدت كفاءة إجراءاته كما كشف الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى المؤتمر الصحفى المشترك مع «كاميرون».
كان ذلك محرجا لرئيس الوزراء البريطانى، إذ ثبتت هشاشة أسبابه التى دعته لاستباق نتائج التحقيقات.
فى مثل هذه الحوادث لا يصح استبعاد أى سبب غير أن التكهن المرسل بغير دليل قضية أخرى تخضع لمقتضيات التوظيف السياسى.
يصعب الادعاء بأن لدى الاستخبارات البريطانية أية معلومات عن حادث الطائرة تفوق ما توصلت له التحقيقات التى يشارك فيها فنيون وخبراء ورجال استخبارات روس، وبلادهم الطرف المضار مباشرة، فالضحايا كلهم روس والطائرة مملوكة لشركة روسية.
من اللافت أن الاستخبارات الأمريكية أعلنت بنفس اليوم الكلام نفسه كأنه أوركسترا مقصود.
لم يكن «السيسى» هو المقصود بـ«الجليطة الدبلوماسية» ولا كان الضرب تحت الحزام المصرى هدفا بذاته رغم أنه يضرب السياحة المصرية فى مقتل.
الرسالة كانت لطرف غائب فى مباحثات لندن وقد التقطها «على الطائر» كما يقول المصريون ورد بلا إبطاء.
هذا الطرف هو الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين».
أراد البريطانيون بتنسيق واضح مع الإدارة الأمريكية توظيف الحادث المأساوى لسقوط الطائرة للنيل من العمليات الجوية الروسية فى سوريا.
فى ترجيح أنه حادث إرهابى تدعيم لرواية «داعش» التى لم تظهر حتى الآن أى دليل على صحة ادعائها.
رغم تناقض المصالح والخيارات والرؤى بين الغرب و«داعش» إلا أن الطرفين كل لأسبابه يريد أن ينال من «بوتين».
الأول، يقلقه تدخل الرئيس الروسى فى سوريا متجاوزا كل الحدود المعتادة، فالمبادرات الدبلوماسية بات لاعبها الأول والأعمال العسكرية هو طرفها الأهم.
والثانى، يخشى أن يتمدد الدور الروسى إلى رفع منسوب التوصل المحتمل لتسوية سياسية تقوض وجوده فى سوريا والعراق معا.
لم يكن لدى «بوتين» أدنى شك فى أسباب التوظيف السياسى لمأساة الطائرة التى لم تعرف حقائقها الكاملة بعد.
فيما كان الرد المصرى على هذا التوظيف السياسى خجولا بدا الرد الروسى صارما فى رسائله المضادة.
المتحدث باسم «الكرملين» سارع بإعلان أن جميع الروايات ينبغى أن تصدر عن المحققين وجميع التفسيرات ليست إلا تكهنات.
كان ذلك ردا مباشرا وسريعا.
تلته تصريحات لرئيس الوزراء الروسى «ديمترى ميدفيديف» يستغرب التسرع السابق لأوانه بشأن أسباب تحطم الطائرة.
«بوتين» نفسه اتصل هاتفيا بـ«كاميرون» ربما قبل أن يلتقى الأخير بالرئيس المصرى ليلفت انتباهه إلى أن التقييمات الخاصة بالأسباب المحتملة للحادث لابد أن تستند إلى معلومات تستقى من التحقيقات الرسمية.
الأهم من ذلك كله أن الطائرات السياحية الروسية بدأت بالتدفق من جديد إلى شرم الشيخ.
ثلاثة وعشرون طائرة فى يوم واحد.
كانت تلك رسالة صداقة جديدة لمصر المنهكة سياحيا بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من السياح الروس فى شرم الشيخ والغردقة الأكثر تعافيا نسبيا من أية مناطق سياحية أخرى.
قبل أيام قليلة أقدمت روسيا على رسالة مماثلة بالإصرار على انضمام مصر وإيران إلى مشاورات فيينا بشأن الأزمة السورية وفرص التوصل إلى تسوية سياسية.
لم تكن الولايات المتحدة ولا أى طرف آخر فى الغرب ولا أى شريك فى الإقليم على ذات درجة الحماس للحضور المصرى.
فى الرسالتين مصالح روسية مؤكدة لكنها تنطوى على رهانات مستقبلية مع مصر.
مع ذلك لا يبدو أن هناك من يقرأ الرسائل وما خلفها ولا كيف يتصرف معها.
هناك افتقاد لأية سياسة خارجية شبه متماسكة تحدد أين الرهانات وأين الأخطار.
هناك تعويل أكثر من اللازم على العلاقات مع العالم الغربى.
الفارق جوهرى بين المصالح المتبادلة التى تجمع الدول وبين الافراط فى الرهانات على غير أساس وتقبل الإساءات بغير رد.
بخصوص بريطانيا فإنها الشريك التجارى الأوروبى الأول لمصر، وهذه مسألة تستحق مد الجسور وتوطيد العلاقات لكن دون مبالغة فى وزنها السياسى بملفات الشرق الأوسط.
فهذا الوزن لا يقاس بدول أوروبية أخرى مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا التى تتداخل بدرجة أكبر فى الملفات الإقليمية وتمتلك سياسة خارجية على شىء من حرية الحركة تفتقده لندن؛ حيث دأبت على اتباع ما تقرره واشنطن.
ما تحتاجه مصر أن يرتفع رأسها فى محيطها وعالمها، أن تدافع عن قضاياها بلا تردد، وتأخذ المبادرات فى يدها وتلتقط الفرص المتاحة.
وبقدر ما تتجاوز أزماتها الداخلية فإن أرصدتها الخارجية ترتفع.
كبرياء البلد فى العالم من كبرياء مواطنيه.
لا تنسوا هذه الحقيقة.