الرماديـون - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرماديـون

نشر فى : الجمعة 8 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 فبراير 2013 - 8:00 ص

فى المجتمعات التى تعانى من مناخ الاستقطاب وعدم النضج فى ممارسة الديموقراطية بما يحمله ذلك من تعصب للآراء وإقصاء للمختلف والتشكيك فيه يتحول المجتمع ظاهريا إلى معسكرين، كل منهما يعبر عن طرف من أطراف الصراع بينما تظل الكتلة الأكبر من المجتمع خارج هذا الصراع ولا تميل لأى من طرفيه وتعلو أصوات المتصارعين حتى يحسبها البعض معبرة عن عموم المجتمع والحقيقة أنها لا تعبر إلا عن أصحابها بينما لا نسمع صوت الشريحة الأكبر من المجتمع التى تظل بعيدة عن المعسكرين ولا تجد من يعبر عنها ويوصل صوتها.

 

من السهل أن تنحاز لأحد المعسكرين ولكن الصعب أن تتخذ لنفسك طريقا بين هؤلاء وخطا فاصلا يجعلك لا تفقد موضوعيتك وعقلانيتك، فالوسطية طريق يدمى قدمى سالكه.

 

•••

 

الوسطية ليست موقفا عابرا بل هى منهج حياة يرفض الإفراط والتفريط والغلو والتشدد، الوسطية اعتدال بين تطرفين وعدل بين ظلمين، وهى تجمع يشمل عناصر العقل والعدل من الأقطاب المتقابلة لتكون موقفا جديدا مغايرا للقطبين المختلفين والمتصارعين، كما أن الوسطية منزلة بين طرفين كلاهما مذموم، فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والسخاء وسط بين التبذير والتقتير.

 

البحث عن الوسطية الآن فى مصر صعب المنال بعد أن ضرب الاستقطاب بآفاته ليصيب النخب السياسية التى صارت تشبه فريقى الكرة المتنافسين بجماهيرهما المتطرفة التى تشجع فريقها بضراوة وترفض النيل منه ولا تتخيل أنه يخطئ أبدا ولا تفكر فى مراجعة نفسها لتحسين أدائها بل تركز جل جهدها فى الهجوم على الفريق الآخر وإبراز عيوبه ونقائصه.

 

•••

 

الصراع السياسى فى مصر تحول إلى صراع صفرى وليس تنافسيا، إما أن تحصل على كل ما تريد وإما أن لا تحصل على شىء، وإذا حاول البعض تقريب المسافات والوصول لقواسم مشتركة يتهم بأنه قد فرط وباع وخان وتنازل وضيع الحقوق.

 

بين معسكرى الاستقطاب يحاول البعض التمسك بوسطيتهم وموضوعيتهم بعيدا عن اللا عقلانية التى يصنعها العداء والكراهية المتأصلة بين المعسكرين ولكن يدفع هؤلاء الثمن لأنهم لا يرضون أحدا من الطرفين، ربما تكون من هؤلاء الوسطيين إذا كنت من الذين تتجسد فيهم الصفات الآتية:

 

• إذا بحثت عن الإنصاف وتحليت بالموضوعية فلم تمل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وتمسكت بالمبادئ المجردة وجعلتها بوصلتك التى تدور معها أينما دارت.

 

• إذا رفضت الانصياع للأمواج الهادرة التى تريد إجبارك على تغيير اتجاهاتك لتقف تحت راية من رايات المعسكرين.

 

• إذا وجدت المزايدة والتخوين والتشكيك المستمر فى مواقفك ونواياك من كل الجانبين، إذا وجدت التهليل والاحتفاء بأحد مواقفك التى رآها احد المعسكرين لصالحه وفى اليوم الثانى وجدت السب والهجوم من نفس المعسكر لأنك تحدثت بموضوعية عن أخطائه وهم لا يريدون إلا عزفا لهم فى اتجاه واحد يبرؤهم من الخطأ ويقدس أفعالهم.

 

• إذا اتهموك بالتلون والبحث عن المصالح الشخصية، إذا تركوا نقاش أفكارك وانشغلوا بالهجوم على شخصك، إذا امتهنوا الكذب لتشويهك والطعن فى تاريخك واختلاق الإفك بعد أن عجزوا عن مواجهة حجتك ومنطقك.

 

• إذا انشغلوا بهدمك بدلا من انشغالهم بالبناء ومنافستك فيما تتقدم فيه، إذا كان يؤلمهم ويوجعهم أنك صاحب رأى لا تنقاد ولا ترضى أن تنضم لجموع القطعان المنقادة.

 

 

•إذا وجدت كل هذا فاعلم أنك على طريق الوسطية فتمسك به ولا تأبه لهم وما يقولون، ولا تجعل الحرب النفسية التى يمارسونها ضدك تضعفك وتجعلك تتشكك فى سلامة الطريق، أنت على الصواب وهم قد بعدوا عنه ومالوا.

 

سيسخرون منك ويتهمونك بالرمادية والغموض والتقلب ولكن لا يفت هذا فى عضدك فبضاعتك التى تحملها تستحق أن تصبر وتحتمل الحماقات والسخافات وهؤلاء السائرون فى دروب الاستقطاب والغلو على اليمين واليسار سيتعثرون كثيرا وسيتذكرون حديثك ويقولون فى قرارة أنفسهم: لو سمعنا وعقلنا ما يقوله ما انتهى هكذا بنا الطريق.

 

•••

 

أنت لا تعبر عن نفسك بل عن الملايين الصامتة التى ترفض المبالغة والتطرف والغوغائية وغياب العقل والموضوعية، أنت تعبر عن كل الذين لا يرون أنفسهم متطابقين مع هذين المعسكرين ويبحثون عن طريق آخر يجب أن تكون أنت حاديه ودليله.

 

ربما لا يكون منهجك الوسطى براق وجذاب للذاهبين إلى صناديق الانتخابات الآن وربما يميلون إلى أحد طرفى الاستقطاب ولكن هذا لا يعنى أن بمنهجك عوار، بل أن المجتمع به علة مؤقتة ستزول عن قريب لتسقط كل أطراف الاستقطاب ويتصدر صوت العقل والوسطية.

 

اثبت على دربك واعتز برؤيتك ووسطيتك، لا تنكسر مهما حاولوا كسرك، لا تتراجع مهما توالت الضربات عليك، أنت مستهدف من الجانبين لأنك تمثل خطرا حقيقيا عليهم، ثبت ثوابتك ولا تساوم عليها، وتحرك فى دوائر متغيراتك وابحث عن مصلحة الناس قبل أى شىء، وإن اتهموك بأنك رمادى فقل لهم بفخر، نعم الرمادية إذا كانت تعبر عن الوسطية والمجد للرماديون.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات