أزمة ريجينى - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة ريجينى

نشر فى : الإثنين 8 فبراير 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 8 فبراير 2016 - 10:20 م
عربات دفع رباعى تحمل عددا من ذوى السحنة الشقراء التى لفحتها شمس الصحراء الغربية، كانت تطالعها عينى وأنا صبى لا يزال طالبا فى المرحلة الإعدادية، ورغم معرفتى لبضع كلمات إنجليزية تناسب ما تعلمناه فى هذا الوقت بالمدارس الحكومية، فإن أصحاب هذه الوجوه كانوا يرطنون بلغة غريبة وغير مفهومة، وإن كانت مخارجها زاعقة ويزيد من حدتها علو صوت أصحابها فى غالبية الأوقات.

دفعنى الفضول «الصحفى المبكر» إلى تتبع هؤلاء الناس الذين كانوا يظهرون بمنطقة العامرية غرب الإسكندرية، مساء كل يوم من أحد شهور صيف نهاية السبعينيات من القرن الماضى، لشراء احتياجاتهم من سوق المدينة المتواضع فى ذلك الوقت، حتى أبلغنى جارنا الحاج سيف، الليبى الجذور، والذى عمل فى بداية حياته بمعسكر إنجليزى، أن هؤلاء عمال إيطاليون جاءوا للمشاركة فى تنفيذ خط سوميد البترولى الواصل بين البحر الأحمر وسيدى كرير.

وعلى الرغم من الصخب والجلبة التى ترافق ظهور «الطليان» كما كان يطلق عليهم الناس، إلا أنهم سرعان ما بات لهم أصدقاء يجلسون معهم على المقاهى وأحيانا داخل البيوت، تغلفهم روح أبناء البحر المتوسط الاجتماعية، حتى بات غيابهم، أو تأخر موعد مجيئهم كل يوم، من معسكرهم القريب، يثير التساؤل، بل والقلق لدى بعض ممن باتوا مقربين إليهم ويعرفونهم بالاسم، ولم تلعب اللغة أى عائق فى التواصل بين الجميع، فقد تولت بضع كلمات إنجليزية توضيح المعنى الذى تكمله لغة الإشارة.

روح «الطليان» المرحة ليست غريبة على المنطقة، فقد عاش الإيطاليون فى الإسكندرية سنوات طوالا، ولا تزال المدينة تضم فى جنباتها أحفاد بعض ممن آثروا البقاء بعد أن رحل جل الأجانب عنها فى السنوات التى أعقبت ثورة يوليو 1952، وهم فى عاداتهم الأقرب إلينا، ومن هنا كان طبيعيا أن تكون علاقاتنا على خير ما يكون، غير أن هذه العلاقات دخلت الأسبوع الماضى نفقا صعبا، بعد العثور على جثة الطالب الإيطالى جوليو ريجينى، قرب مدينة 6 أكتوبر، وقد علتها آثار التعذيب.

المتابع لردود الفعل الإيطالية، وخاصة فى الصحف الصادرة فى روما، يلمس إلى أى مدى تأذت علاقاتنا مع الإيطاليين، الذين تلقوا نبأ مقتل جوليو، أثناء تواجد وفد لرجال الأعمال على رأسه وزيرة التنمية الاقتصادية فريدريكا جويدى فى القاهرة، قبل أن يقطع الوفد زيارته لمصر ويعود إلى بلاده، وهو غاضب بكل تأكيد، وسط تفسيرات وتضارب المعلومات، فى الوهلة الأولى من جانبنا، لدرجة أن البعض علق بقوله «يكاد المريب يقول خذونى».

لسنا مع الاتهامات التى توجهها الصحف الإيطالية للشرطة المصرية، قبل أن تنتهى التحقيقات التى يشارك فيها وفد أمنى إيطالى رفيع المستوى، غير أن الأداء المصرى وإدارة الأزمة فى هذا الحادث، كرر الطريقة الهزيلة نفسها فى التعامل مع حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، وما تبعها من ضرب السياحة المصرية فى مقتل.

إدارة الأزمات علم يدرس، ويحتاج إلى ملكات لا تعرف المفاجآت، فكل أزمة خارجية كانت أو داخلية، لها طريقة إدارة لابد أن يضع من يتصدون لها فى حسابهم كل السيناريوهات، وخاصة الأسوأ منها، وفى قضية الشاب الإيطالى، الذى اختفى عشرة أيام قبل العثور عليه مقتولا وشبه عار، بدونا شبه عاجزين عن ملاحقة التفاعلات على الأرض، وبما يهدد مصالحنا مع واحدة من البلدان التى تصنف تقليديا فى قائمة «الأصدقاء».
التعليقات