اختراع اسمه السياسة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اختراع اسمه السياسة

نشر فى : الأحد 8 مايو 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 8 مايو 2016 - 10:00 م
وسط الغبار الكثيف لأزمة نقابة الصحفيين تبدت تساؤلات ومخاوف من آثارها السلبية على المستقبل فى لحظة خطرة.

بعض الآثار نالت بقسوة من أى تطلع لبناء دولة حديثة تخضع مؤسساتها للقانون وتحترم القواعد الديمقراطية.

النيل نفسه مشروع اضطرابات محتملة، فلا يمكن العودة للماضى دون أثمان باهظة.

رغم الجهود الحثيثة لتطويق الأزمة ووقف تصعيدها يصعب الادعاء أنه يمكن تجاوز جروحها دون تصحيح أسبابها.

وبعض الآثار الأخرى قلصت من أى رهانات لتصحيح صورة النظام فى عالمه أو أى تحسين ممكن لسجل الحريات العامة وحقوق الإنسان.

أخطر استنتاج أن الصورة دمرت إلى حد يصعب ترميمها وإنها لن تسوء بأكثر مما ساءت كأنه تفويض بالتغول على الدستور وقيمه.

ذلك يفضى إلى إضرار بالغ بفرص الاقتصاد على التعافى وكفاءة الدولة فى إدارة مصالحها الاستراتيجية العليا.

أى جهود تبذل لتحريك الاقتصاد وضخ استثمارات جديدة فى شرايينه المتيبسة تستدعى رفع منسوب الثقة العامة فى استتباب الأمن وفق قواعد دولة القانون، كما تستدعى تحسين الصورة السياسية على نحو يوفر بيئة أكثر استقرارا ومجتمعا أكثر تماسكا فى النظر إلى تحدياته وأولوياته وخياراته الرئيسية.

الاستقرار مسألة حياة أو موت بالنسبة لبلد لم يعد يحتمل إخفاقا جديدا، غير أنه لا يمكن أن يتحقق بدون اتساق مع الحقائق الجديدة بعد ثورتين.

التماسك مسألة توافق وقدرة على فتح نوافذ الحوار لا سدها بالقبضة الأمنية.

غياب القواعد القانونية ينال من كل استقرار ويضرب فى كل تماسك ويشجع الإرهاب أن يضرب فى مجتمع تتنازعه صراعاته.

الكلام كله فى السياسة لا الأمن.

أسوأ ما يحدث الآن أن السياسة تنحت عن ميادينها والأمن تقدم لغير مهامه.

لم يكن هناك من يدير الأزمة سياسيا بين الصحافة والأمن.

لا الحكومة مرشحة بحكم تكوينها التكنوقراطى لإدارة أزمة سياسية ولا مستشارون مفوضون بإدارة التسويات الممكنة بين أطرافها.

بدا كل شىء عشوائيا والأزمة تفاقمت دون سقف.

يحسب لمجلس نقابة الصحفيين ما اتخذه من إجراءات أحادية أجلت الجمعية العمومية لأسبوع، وأزالت التباسات بطلب تدخل رئيس الجمهورية لإنهاء الأزمة، باعتباره حكما بين السلطات.

هذا عمل نقابى بأفق سياسى والكرة الآن فى ملعب الدولة.

ما تحتاجه مصر أن توقف مسلسل استدعاء الأزمات وأن تدرك دولتها أن القوة المجردة انتكاسة مبكرة.

فى بلد له تجارب عريقة بالسياسة ووسائلها مأساة حقيقية أن نتحدث عنها كأنها اختراع جديد.

الثقة العامة مسألة سياسية وانفساح المجال العام ضرورة لا غنى عنها لأى توافق وطنى صلب يقنع ولا يقهر، يفتح النوافذ ولا يغلقها.

فى تغييب السياسة استدعاء للأزمات واحدة إثر أخرى.

رغم أهمية الأمن لأى مجتمع فإنه ليس بديلا عن السياسة.

تفلت الأمن وجه رئيسى لاستدعاء الأزمات المتوالية وآخرها ما جرى فى نقابة الصحفيين.

أيا كانت الأخطاء المنسوبة إلى نقابة الصحفيين فلا يمكن تجاهل ما ارتكب بحقها من انتهاكات قانونية وأخلاقية وصلت إلى حد حصارها بالحواجز الأمنية وجلب من يطلق عليهم «المواطنون الشرفاء» لسبهم والنيل منهم بأقذع الشتائم والتصرفات التى تخجل من يبررها وتنال من اعتبار أى دفاع عنها.

إذا كان هناك من يأخذ على «الصحفيين» إقحام اسم الرئيس فى الأزمة باعتباره تهورا، فما هو التوصيف المناسب لزج الأمن بصوره والهتاف باسمه من الجماعات المجلوبة.

أرجو ألا ننسى أننا جزء من العالم والصور السياسية تدخل فى إدارة المصالح الاقتصادية والاستراتيجية.

أى انتقاص فى الصورة يحرج «الأصدقاء» بصورة قد لا تخطر على بال.

فى لقاء ضم وزير الثقافة الفرنسى الأشهر «جاك لانج» بصديق مصرى قديم زار باريس قبل أيام أبدى انزعاجه من أمرين متزامنين.

الأول، احتمال خسارة الحزب الاشتراكى السباق الرئاسى الذى اقتربت مواعيده لصالح مرشحة اليمين المتطرف «مارين لوبان»، وهى باتت تمثل تهديدا جديا لفرص تجديد رئاسة «فرانسوا أولاند».

والثانى، عدم الاستجابة بأى قدر ملموس فى مصر لـ«نصيحة الأصدقاء» بضرورة تحسين سجل الحريات وحقوق الإنسان التى عبر عنها «أولاند» أثناء حواراته مع الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، وقد كان «جاك لانج» الذى يشغل حاليا رئاسة معهد العالم العربى بباريس شاهدا على وقائعها.

أين وجه الربط بين الأمرين المتزامنين؟

رغم توجهات «أولاند» ورهاناته الاستراتيجية والاقتصادية على النظام الحالى فى مصر إلا أن شعبيته تضررت بأثر صورة الأخير فى الميديا ومنظمات المجتمع المدنى ومراكز البحث والتفكير.

استطلاعات الرأى العام منحته نسبا متدنية للغاية بعد زيارته للقاهرة.

هذه مأساة حقيقية لبلد يطلب أن يأتى العالم إليه باستثمارات وعلاقات استراتيجية.

بأى وضع طبيعى مصر إضافة للرصيد وليس سحبا منه.

الكلام لا يتطلب معجزات خارقة بقدر ما تعوزه الإجراءات المصدقة.

لأكثر من مرة تمنى مسئولون كبار فى المفوضية الأممية لحقوق الإنسان زيارة القاهرة للالتقاء بالرئيس، غير أن أحدا لم يستجب حتى الآن.

بعد ثورة «يونيو» مباشرة هناك من تحمس أن يستقر مكتبها الإقليمى فى القاهرة، غير أن اعتراضا جرى أوقف كل حماس فذهب إلى تونس.

التفكير الأمنى يغلب السياسى واستدعاء نظريات المؤامرة يسد الطرق المفتوحة.

بكل احترام أطلب من الرئيس عدم العودة إلى مصطلح «أهل الشر» عندما يخاطب المسئولين الغربيين.

المصطلح يثير التساؤلات حول مقصده وقد أربك «أولاند» ومرافقوه من وزراء وصحفيين أثناء المؤتمر الصحفى المشترك.

هناك لغة يفهمها العالم ويؤسس لمصالحه المباشرة وغير المباشرة وفقها، من بين مفرداتها حقوق الإنسان والحريات العامة خاصة حرية الصحافة التى ينظر إليها باعتبارها القضية الأكثر قداسة.

أما العبارات الملتبسة فتساؤلاتها أكثر من إجاباتها.

عدم الانفتاح على لغة العالم الحديث سحب على المفتوح من كل رصيد.

مظالم السجون أقر بها الرئيس مرة بعد أخرى فما الذى يمنع الإفراج عن كل مظلوم والاستجابة إلى مطالب المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهو أحد مؤسسات الدولة.

وفجوات الدولة مع شبابها تتسع إلى كراهيات بينما الكلام لا يتوقف عن أن عام (٢٠١٦) هو عام الشباب.

لا يمكن سد الفجوات دون تفهم أسبابها بلا وصاية واعتماد الحوار لا الإقصاء فى المصالحة مع المستقبل.

إذا لم تفتح القنوات السياسية فإن كل شىء معلق على مجهول.

هل توجد معجزة هنا أو فى أى ملف آخر؟!

بعد أن خفتت نسبيا حدة أزمة نقابة الصحفيين فإن مراجعة ما جرى ضرورى لعدم تكرارها مرة أخرى والأهم وقف استدعاء الأزمات بالوسائل السياسية وتحسين الصورة شبه المهشمة فى عالمنا بإجراءات على الأرض مقنعة وملهمة.