يحزننا ولا يدهشنا - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يحزننا ولا يدهشنا

نشر فى : الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 10:25 م
إذا كان وزير الداخلية قد أبدى دهشته من الشائعات المتداولة حول تورط جهاز الأمن فى مقتل الباحث الإيطالى الذى عثر على جثته فى ضواحى القاهرة، فإننا لا نستطيع أن نخفى دهشتنا إزاء اندهاش الوزير. وإذ أؤيد الانتظار حتى تنتهى التحقيقات فى الموضوع، وأتمنى أن تثبت براءة أجهزة الأمن من تعذيب الرجل وقتله، إلا أننى أتفهم العوامل التى أسهمت فى الإسراع بإثارة الشبهات حول دور الشرطة المصرية فيما جرى للرجل، وإلى أن تتضح الحقيقة فى الموضوع، ينبغى أن نتساءل: لماذا كان أول ما خطر على بال كثيرين فى خارج مصر إن للشرطة المصرية يدا فى الموضوع؟ وأضيف هنا أن بعض التقارير المنشورة فى الصحافة الأجنبية قطعت بذلك الدور ولم تتعامل معه باعتباره شكوكا أو أحد السيناريوهات المطروحة. وأوجعنى كثيرا أن أطالع رسما كاريكاتوريا، تداولته مواقع التواصل الاجتماعى ظهر فيه جبل من الجثث ووقف أمامه أحد ضباط الشرطة المصريين متسائلا: أين يوجد ذلك الإيطالى؟ ــ وكانت رسالة الصورة واضحة فى أن الباحث القتيل ريجينى، من وجهة نظر الرسام والجريدة، ليس سوى واحد من مئات الضحايا الآخرين الذين لقوا نفس المصير فى مصر.

إحدى المشكلات التى كشفت عنها الحادثة أن الذين يوجهون الإعلام الأمنى فى مصر تصوروا أن ما تبثه وسائل الإعلام المحلية من تقارير ينطلى على وسائل الإعلام الأجنبية والمنظمات الحقوقية الدولية. ناسين أن هؤلاء يعرفون ما يجرى فى مصر أكثر مما يعرف كثير من المصريين. وعند الحد الأدنى فلتلك الدول سفارات فى القاهرة كما ان للمنظمات باحثين يتابعون بدقة ما يجرى، فضلا عن أن المنظمات الحقوقية المستقلة المحاصرة إعلاميا فى مصر، تستقبل تقاريرها بثقة واحترام فى الخارج.

ليست المسألة مجرد سمعة أشاعت انطباعا سلبيا عن دور جهاز الأمن فى مصر، لأن ما صدم كثيرين فى الخارج فى جريمة تعذيب وقتل الباحث الإيطالى، لم يقابل بدهشة كبيرة فى أوساط الحقوقيين المصريين فضلا عن أهالى المسجونين، صحيح أن الأمر موجع ومفجع ومثير لمشاعر الحزن والأسى، لكنه ليس باعثا على الدهشة بأى حال. فثمة حالات فى مصر واجه فيها الضحايا ذات المصير الذى انتهى إليه الباحث المغدور ــ لكنها لم تحدث ضجة فى وسائل الإعلام، سواء لكثرتها وتعددها أو لأن الإيطالى وراءه دولة غضبت وحكومة أوفدت وفدا أمنيا وسفيرا عاين الجثة وصدمه ما رآه، ثم إن الجثة نقلت إلى روما وتوفر لها من يستطيع ان يفحصها جيدا، ويعد تقريرا مستقلا عما جرى.

لقد ذكرت قبل قليل ان أول ما خطر على بال كثيرين «فى خارج مصر» إن للشرطة يدا فى الموضوع. ولم أشر إلى أصداء الحادث داخل مصر. وتوا قلت إن ما جرى للرجل أحزننا ولم يدهشنا، ليس فقط لأن الانطباعات فى الداخل أسوأ بكثير، ولكن أيضا لأن الحالات المماثلة مرصودة ومعلومة للكافة، وتشكل مادة لا تغيب عن مواقع التواصل الاجتماعى.

ربما يذكر كثيرون حادث المحامى كريم حمدى الذى ألقى القبض عليه فى شهر فبراير من العام الماضى، وقام اثنان من ضباط الأمن الوطنى بتعذيبه الأمر الذى انتهى بقتله. وأدانتهما فى ذلك محكمة جنايات القاهرة وحكمت على كل منهما بالسجن المشدد مدة خمس سنوات. وفى حيثيات الحكم ذكرت المحكمة التى نشرتها الصحف فى ١٩/١٢/٢٠١٥ أن الرجل قتل جراء «توقف القلب والتنفس نتيجة الإصابات بالصدر والبطن والعنق، وما أصابه من كسور بالأضلاع الصدرية وتهتك بالرئتين وتكدم بالقلب والكبد وكيس الصفن. وما صاحب ذلك من نزيف بتجويفى الصدر والبطن وبالخصيتين وحول الكليتين... إلخ. وتلك تفاصيل لا تختلف كثيرا عما أصاب الباحث الإيطالى.

ما جرى للمحامى كريم حمدى ليس حادثا استثنائيا. يشهد بذلك تقرير مركز «النديم» لعلاج ضحايا العنف والتعذيب عن عام ٢٠١٥ المنقضى، إذ أورد ما وصفه بأنه «أرقام مفزعة» لضحايا التعذيب (التقرير موجود على موقع المركز). وفى تقديمه إشارة إلى أن التعذيب أصبح منتشرا فى أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة، «بحيث كاد يغطى خريطة مصر كلها من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها».

معذورون هم إذا سارعوا بالشك ومعذورون نحن أيضا إذا أصابتنا دهشة الوزير بالدهشة. ومن حقنا فى هذه الحالة أن نردد قول من قال إن الوزير إذا كان لا يعلم بما يجرى فتلك مصيبة، وإذا كان يعلم فالمصيبة أعظم.
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.