على مقهى فى شارع خيرت قرب ميدان السيدة زينب شهدت أغرب ندوة منذ فترة طويلة.
الزميل العزيز يسرى السيد مدير تحرير جريدة الجمهورية دعانى مشكورا مساء يوم الثلاثاء الماضى لحضور مقهى مصر المحروسة الذى يديره وتنظمه الهيئة العامة بقصور الثقافة. ذهبت إلى المكان فوجدته قهوة بلدى يشتهر بها هذا الشارع شديد الحيوية الذى لا ينام مطلقا خصوصا فى شهر رمضان.
ذهبت إلى المكان فوجدت الحاضرين كثيرين والأهم أن معظمهم ليسوا من عينة الجمهور التقليدى محترف الندوات، بل ان بعضهم وبحكم المكان كان يجلس ليشرب الشاى أو يتابع مسلسلات رمضان أو يلعب الطاولة والدومينو، ثم بدأ ينفعل ويتجاوب مع موضوع الندوة التى حضرها أيضا الاستاذان يحيى قلاش نقيب الصحفيين وفهمى عنبة رئيس تحرير الجمهورية.
فى هذا المكان الممتلئ دفئا سألنى يسرى السيد عن رأيى فى قانون مكافحة الإرهاب ولماذا أعارضه، قلت له كلام كثير نشرته هناك بالأمس فعلا، لكنى أضفت إليه انه ومن دون ان يقصد يتسبب هذا القانون فى ضياع ما بقى من تأثير للصحف المصرية، ويكافئ الصحافة العربية الأجنبية.
لنتخيل ان مراسلا صحفيا مصريا موجودا فى مكان حادث ما ورأى الواقعة كلها بعينه وصورها صوتا وصورة، فهو أمام خيارين كلاهما مر الأول ان يرسل فورا للصحيفة أو الموقع أو الفضائية ما رآه من وقائع ثابتة، لكنه فى هذه الحالة قد يتعرض للحبس عامين لانه نشر معلومات قبل صدور بيان رسمى.
الخيار الثانى ان يكون لديه كل هذه المعلومات «ويضعها فى الثلاجة» انتظارا لصدور بيان رسمى. وفى هذه الحالة فإن المواطن المصرى الذى يريد معرفة الحقيقة، لن يجدها فى أى وسيلة إعلام مصرية، وبالتالى فسوف يذهب تلقائيا للبحث عنها فى أى مكان اخر، قد يكون وسيلة إعلام عربية مغرضة أو أجنبية متربصة أو حتى غير دقيقة.
والنتيجة النهائية أن المصريين سوف ينصرفون تلقائيا عن وسائل إعلامهم الوطنية، ويعودون لمتابعة وإدمان وسائل إعلام أجنبية كما كان شائعا فى السبعينيات، حينما كانوا يستمعون إلى البى بى سى وصوت أمريكا وصوت إسرائيل، ومونت كارلو.
قلت فى هذه الندوة ان يفترض وجود مبدأ حسن النية فى تعامل الدولة والقضاء مع الصحفيين، ثم انه لا يعقل ان تكون هناك قصة خبرية قائمة على مصدر واحد هو بيان الجهة الرسمية، لان ذلك سيحول الإعلام المصرى إلى نشرة تصدرها وزارة الداخلية وبالتالى، سوف يفقد هذا الإعلام أى دور أو تأثير له، والكاسب الأكبر هو إعلام المتطرفين والظلاميين والإرهابيين الذى يشهد تناميا هذه الأيام، ولن يستطع القانون الجديد أن يصل إليه لانه يعمل من الخارج!.
تحدث الأستاذ يحيى قلاش عن ان اسوأ فكرة هى الاكتفاء فقط بالعقوبات فى قضايا النشر خصوصا الحبس مستشهدا برؤية نقيب النقباء كامل زهيرى رحمه الله الذى كان يقول ان الحكومات تفكر فى حبس الصحفيين أولا وبعدها تطالب النقابة ان تحاسبهم أو تردعهم أو تحبسهم «فوق البيعة». فهمى عينة طالب بضرورة ردع الإرهابيين لان المهم هو عدم سقوط الدولة.
مرة أخرى نحن كصحفيين لسنا فى خصومة مع الدولة أو الحكومة فى ضرورة مواجهة الإرهاب، لكن المهم هو كيف نفعل ذلك بصورة صحيحة.
أمام الحكومة مليون طريقة لمعاقبة الإرهابيين من دون حبس الصحفيين، يمكنها مثلا ان تلغى المادة 33 تماما أو تجعل العقوبة هى الغرامة الكبيرة.
الصحافة ليست عدو المجتمع، وعلى أولئك الذين يدعون إلى مقاطعة الصحف المصرية اليوم أن يتذكروا أن هذه الصحف كانت السلاح الأشد فتكا فى مواجهة العنف والتطرف والإرهاب والتخريب طوال السنوات الأربع الماضية.