القُضاة.. والقَضاء.. والقضية - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القُضاة.. والقَضاء.. والقضية

نشر فى : الأحد 10 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 10 مارس 2013 - 8:00 ص

أكتب هذا المقال مساء الجمعة قبيل ساعات من صدور «الحكم» فى قضية بورسعيد.

 

هل سيسعد الجميع بالحكم؟ بالطبع لا. فهكذا «علمنى» طارق البشرى، حين لفت انتباهى يوما إلى أن الحكم بين متخاصمَين لا بد أن يفضى ــ بحكم طبائع الأشياء ــ إلى مشاعر متباينة لدى الخصوم. يسعد هذا ويحزن ذاك.

 

صحيحٌ هذا.. ولكن صحيحٌ أيضا أن «العدالة إحساس»، وليست مجرد نصوص أو قوانين. وإذا شعر الناس بالعدل اطمأنوا «ونام عمر ــ خليفة المؤمنين ــ تحت الشجرة». ولهذا يصبح من نافلة القول إنه كان من قبيل اللعب بالنار ما جرى من ترويج البعض المستمر لزعم «فساد مؤسسة القضاء»؛ هكذا بالمطلق. وما صاحب ذلك من استخفاف ببعض أحكامه، أو إهدار لبعضها الآخر. دون أن ينتبه إلى أن هناك بالضرورة فارقا بين القضاء «كمؤسسة» والقضاة «كأفراد». وأن «أفرادا»القضاة، مثلهم مثل أى جماعة «بشرية» كما أن فيها الصالح فمن الطبيعى أن يكون فيها الطالح. فإبليس كان من الملائكة، أو كان معهم (فى بعض التفاسير). ولكن ما كان ينبغى لهذا أن يصبح «تعميما» نرى مظهره فى حصار أو مسيرات «موجهة»، أو يصبح «تبريرا» لإهدار بعض أحكام قد نرى فيها حَيفا أو تعطيلا لمسيرة تلبستنا فلا نتصور لها بديلا. كما ما كان ينبغى لنا أبدا أن نستخف بآثار لا بد أن تترتب على إسقاط مهابة منصة «وميزان عدالة» لو شاع بين الناس اهتزازه لما اطمأنوا أبدا للجوء اليه. ولعمد كل منهم إلى أن يأخذ حقه «أو ما يتصور أنه حقه» بيديه، ولسقطت «الدولة» التى هى بالتعريف مؤسسة لتنظيم حياة الناس. ولفشل الحاكم أيا من كان هذا الحاكم فى إدارة أمور بشر يتجاوز تعدادهم التسعين مليونا.

 

•••

 

لا أعرف كيف سيكون الحكم. ولكنى أعرف أنه يجىء بعد أيام فقط من من حكم لمحكمة القضاء الإدارى قررت فيه إيقاف قرار الرئيس بالدعوة للانتخابات. وأسعدنى ما أبدته الرئاسة «هذه المرة» من الامتثال لأحكام القضاء بعدم الطعن على الحكم، وحسنا فعلت بإدراكها أن فى ذلك مخرجا للجميع. وأرجو أن ينتبه المتسرعون إلى أن توصيف الأمر على أنه «ثأر قديم» بين سلطة تنفيذية / أو تشريعية «منتخبة» وبين محكمة دستورية اعترى الحديث عنها كثيرٌ من اللغط، يحتاج حتما إلى اعادة نظر. بعد أن دخل القضاء الادارى على الخط. ولمن نسى «أو لا يعلم»، فالقضاء الإدارى هذا «الذى قضى بإيقاف قرار الرئيس» يُنسب إليه وحده فضل قرار حل الحزب الوطنى، والمجالس المحلية «التابعة فعليا له»، حين امتنع المجلس العسكرى من جانبه عن اصدار القرار. كما أنه صاحب الحكم بإلغاء الحرس الجامعى، والسماح للمنتقبات بدخول امتحانات الجامعة، وإبطال قرارات الإحالة إلى المحاكم العسكرية التى صدرت يوما بحق قيادات فى الاخوان المسلمين.. إلى غير ذلك من قائمة طويلة من أحكام حاولت أن تقف أمام تزوير الانتخابات فى ٢٠٠٥ و ٢٠١٠، أقول ذلك وهناك أكثر منه أملا فى أن يتريث أولئك الذين أنساهم طموحهم «أو جموحهم» إنصافا أمِرنا به {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} المائدة:٨

 

•••

 

فى مثل هذه الأيام بالضبط، وتحديدا عصر الجمعة ١٧ مارس ٢٠٠٦ التقط مصور AFP صورة اشتهرت لقضاة مصر بأوشحتهم وأروابهم السوداء أمام ناديهم فى وقفتهم «الاحتجاجية» الشهيرة غير المسبوقة. فى الصورة كان هناك الأخوان مكى، وزكريا عبد العزيز، وهشام البسطويسى، وهشام جنينة، وحسام الغريانى، وأشرف البارودى والخضيرى.. وغيرهم كثيرون جدا مما لا أذكر أسماؤهم الآن. وفى مساء اليوم نفسه، سألنى محدثى جزعا ــ وهو من شيوخهم الأجلاء ــ إن كان هناك مِن بين مَن يعنيهم الأمر من «قرأ» الصورة جيدا، ورأى ما يجب أن يراه فيها من ظلال قاتمة، رغم لمعان الأوسمة ووميض فلاشات المصورين؟!

 

كانت خطوات القضاة يومها فى شارع عبد الخالق ثروت، أمام ناديهم العريق إحدى الخطوات الأولى المهمة على الطريق إلى ٢٥ يناير. أرجو أن نتذكر. كما أرجو أن نتذكر ما كانت قد وصلت اليه هيستريا السلطة يومها إلى حد اعتداء رجال الشرطة بالضرب المبرح على «القاضى» محمود حمزة على رصيف نادى القضاة (لاقترافه جريمة التصوير) وهى، حسب مايعرف الكافة ليست بجريمة فى القوانين المصرية المعمول بها. والمثير للاشمئزاز ــ لا لغيره ــ أن البيان الرسمى الذى صدر تبريرا لما جرى، وتبرئة لمن قاموا بالجرم المشهود، لم يخرج عن القول بأنهم «لم يكونوا حال التعامل معه.. قد تعرفوا على شخصيته.. وأنهم تركوه فور أن تبين لهم أنه قاض» (!) كأن القانون، فى غير حالة القضاة ــ وحاشا له ذلك ــ يبيح لرجال الضبطية أن «يسحلوا» مواطنا فى الشارع ويكسروا عظامه (فعلا لا مجازا) فالقاضى الضحية خرج من الموقعة بكسر مضاعف فى العمود الفقرى، لمجرد أنه تجرأ واستخدم هاتفه المحمول للتصوير فى «شارع عمومي». كتبت ذلك يومها تفصيلا فى «وجهات نظر» تحت العنوان ذاته «القضاة.. والقضاء.. والقضية»، وأرانى بحاجة اليوم لأن أعود اليه لتذكير من لا يريد أن يتذكر ماذا فعل القضاة لمصر.

 

فى «ملف القضية» ــ يذكرنى محدثى الشيخ الجليل ــ تصريحاتٌ «رسمية» سمعناها يومها بأن أحكام قضاءٍ صدرت عشية انتخابات ٢٠٠٥ «لن يُعتد بها».. هكذا(!) رغم قرارات ملزمة «للمحكمة الدستورية». كما يشير محدثى إلى أحكام أهدرتها السلطة التنفيذية يومها وامتنعت عن تنفيذها أو «التفت عليها، بزعم الفصل بين السلطات» كما قال أحد القضاة الذين تحدثوا فى جلسة 17 مارس الشهيرة تلك.

 

يومها (عودوا من فضلكم إلى كتاب المستشار يحيى الرفاعى الصادر عام ٢٠٠٠، والى كتابات طارق البشرى العديدة فى الموضوع) كانت هناك محاولة «دءوب» لشق صف القضاة، تلويحا بسيف المعز وذهبه. وهو أمر ــ قلنا فى حينه، ومازلنا نقول ــ  لو تم لكانت «الدولة» ومفهومها ذاته الذى يستند بالتعريف إلى «النظام» ومن ثم إلى «مهابة القانون وأصحابه» أول الضحايا.

 

•••

 

وبعد..

 

فاسمحوا لى أن أكرر ــ إلحاحا وتوضيحا ــ ما ذكرته مرارا من أن الحكم الذى صدر بالأمس ليس «منشئا» لآثاره التى آمل ألا نراها فى احتجاجات «عنيفة» هنا أو هناك، وإنما هو فى حقيقة الأمر «كاشف» لحالة الفوضى والترصد وفقدان الثقة التى تحكم المشهد السياسى فى مصر الآن.. ولذلك كله أسباب أعيانا الحديث عنها. فالمقدمات حتما تفضى إلى النتائج. أو هكذا يقول المناطقة. 

 

ولعله من قبيل «المصادفة» أن يصدر الحكم فى قضية بورسعيد، بعد آيام فقط من قرار القضاء الإدارى بإيقاف قرار الرئيس بالدعوة إلى الانتخابات. ولعله من قبيل المفارقة أن يحتج البعض على حكم المحكمة الادارية، كما سبق وأن احتج على أحكام أخرى واصفا اياها «بالمسيسة»، ثم لا يعجبه أن يكون هناك من يحتج على حكم بورسعيد واصفا إياه بالصفة ذاتها... «إنما تقدمون لأنفسكم» يا سادة.

 

وقى الله مصر شر ما ظهر.. «وما بطن»٠

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات