المؤثرات الصوتية - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 4:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المؤثرات الصوتية

نشر فى : الأحد 10 أبريل 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الأحد 10 أبريل 2016 - 9:55 م
فى الستينيات أيام الصدور المنتظم لمجلة «المجلة»، سجل الثقافة الرفيع، دأب رئيس تحريرها عمنا الكبير يحيى حقى على نقد قصص الشباب.. ملاحظاته النافذة، تفتح آفاقا أرحب فى حقل الإبداع الأدبى، يمتد إلى ما يمكن أن تطلق عليه «فن الحياة».. تحدث فى إحدى المرات بصوته المنخفض مبتسما برقة، معاتبا الكتاب على إهمالهم فى استخدام الحواس الخمس، واعتمادهم على حاسة البصر فقط.. أتذكر أنه كعادته، طاف بنا فى الحياة، قبل عودته لفن القصة.. قال إن معظم الناس يهملون إمكانية إدراك الكثير من الأمور، عن طريق السمع واللمس والتذوق والشم.. بروحه الأبوية طلب من المتواجدين الاهتمام بكل الحواس وهى حسب قوله أكثر عددا مما هو متداول.. أحد الشباب قال له: مثل بطلك إسماعيل حين كان غلاما فى «قنديل أم هاشم»، دأب على «تشمم رائحة النساء بخيشوم كلب»، تعبيرا عن دخوله فى مرحلة المراهقة.. الملاحظة، وإن أرضت الاستاذ الا انها جعلته يقطب جبينه قليلا، فهو يرى أن القنديل، بشهرتها، حجبت بدرجات متفاوتة ضياء بقية أعماله وما أكثرها.

يحيى حقى «١٩٠٥ــ١٩٩٢» الذى فاتنا أن نحتفل العام الماضى بذكرى ميلاده «١١٠» أغدق علينا العطايا ومنها الالتفات إلى القوة الإيحائية الكامنة فى استخدام الحواس ومنها المؤثرات الصوتية سواء فى الادب أو على شاشة السينما.

مؤثر صوتى واحد عند نجيب محفوظ، لا يكثف الإحساس بالواقع وحسب، بل يعبر عن عالم كامل.. فى القصة القصيرة «دنيا الله» يذهب بعض الموظفين إلى قسم الشرطة للإبلاغ عن سرقة رواتبهم، واثناء مرورهم فى الممر المؤدى لغرفة المأمور، يكتب محفوظ الجملة التالية، التى تعبر عن الجو النفسى، العام والخاص وتجعلنا نفكر فى مغزاها أكثر من مرة.. الجملة هى: من وراء باب مغلق، ارتفعت صرخات واستغاثات. فيما قبل، يرصد نجيب محفوظ طرفا من مظاهرات ثورة ١٩ من خلال آذان الصبى كمال عبدالجواد الواقف مع آخرين داخل دكان مغلق فى «بين القصرين ».. الوصف يأتى هكذا صاح كثيرون فى الخارج: الانجليز.. الانجليزــ وهتف غيرهم: نموت ويحيا الوطن، ثم سمع الغلام لأول مرة فى حياته الصغيرة طلقات الرصاص عن بعد قريب فعرفها بالبداهة وارتعدت أوصاله.. وتوالت الطلقات وصكت الآذان صلصلة عجلات وصهيل خيل، تتابعت الاصوات والحركات فى سرعة فائقة تلاحقها زمجرات وصراخ وأنين.. ثم حل صمت مخيف كالإغماء الذى يعقب تبريح الألم.

وقع الأصوات هنا بالمساحة التى يتركها للخيال، اقوى واعمق من التجسيد بالصورة.. وهو الدرس الذى استوعبه صاحب الموهبة الضخمة يوسف إدريس ملك المؤثرات الصوتية، بلا منازع فإذا كان من الممكن الاشادة بأحد الشعراء، بسبب ثراء قاموسه اللغوى فإن الإنصاف يقتضى الاعتراف بامتلاك يوسف إدريس لكنز من المؤثرات الصوتية، جعلته يستطيع بمهارة تحويلها من «مؤثرات» إلى بنية اساسية، تنهض عليها قصصه.. مثلا، تعتمد «لأن القيامة لا تقوم » على الاصوات المتناقضة التى تصل لسمع طفل، ينام تحت السرير.. وفى « لغة الآى آى »، تغدو لكل صرخة ألم، من المريض، طبيعتها، وشخصيتها التى لا علاقة لها بالسابقة أو اللاحقة.. إنه قاموس، يحتاج لمن يدرسه.

ترى ماذا عن «المؤثرات الصوتية» فى السينما المصرية قبل وبعد « دعاء الكروان».. إنه موضوع يستحق الاكتشاف.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات