الغاز والعلاقات الثنائية فى الشرق الأوسط - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الغاز والعلاقات الثنائية فى الشرق الأوسط

نشر فى : الخميس 10 مايو 2018 - 12:15 ص | آخر تحديث : الخميس 10 مايو 2018 - 12:15 ص
يشكل الاتفاق التاريخى لتصدير الغاز إلى مصر الذى أعلنته شركتا الغاز «تمار» و«لفيثان» فى فبراير الماضى، والذى يقضى بتصدير الغاز الطبيعى بحجم يقدر بـ64 مليار متر مكعب إلى مصر، مصلحة جيوسياسية واضحة بالنسبة إلى إسرائيل، وإلى المنطقة كلها. والاتفاق المبرم مع مصر بالإضافة إلى الاتفاق الموقع فى سنة 2016 بين شركة «لفيثان» وشركة الكهرباء الوطنية الأردنية يشكلان قفزة فى العلاقات والمصالح بين إسرائيل وجيرانها، ويُظهران بوضوح الدور الأساسى لصناعة الغاز الإسرائيلية ليس فقط على الساحة الاقتصادية ــ البيئية، بل أيضا على الساحة الجيوسياسية الإقليمية.

بدأت قصة تصدير الغاز الإسرائيلى فى نهاية سنة 2009، وشكل هذا مفاجأة للاقتصاد الإسرائيلى. للمرة الأولى فى تاريخ الدولة برز مخزون كبير من الغاز (311 مليار متر مكعب) فى المياه العميقة الإسرائيلية. النظرية التى كانت سائدة حتى ذلك الحين، أن دولة إسرائيل محكوم عليها بالاعتماد بصورة كاملة على استيراد مصادر الطاقة زالت من أساسها. ومع ذلك، فإن الاكتشافات الهائلة لم تعِد الاقتصاد الإسرائيلى بما سيحدث فى السنتين والثلاث سنوات المقبلة. وفى الواقع فتح اكتشاف «تمار»، عمليا، أفقا جديدا للتنقيب عن الغاز والنفط، وأدى إلى مجموعة نجاحات غير مسبوقة فى عالم التنقيب عن الغاز والنفط، فى طليعتها اكتشاف مخزون كبير فى لفيثان (606 مليارات متر مكعب) وهو ما شكل أكبر اكتشاف للغاز الطبيعى فى المياه العميقة الإسرائيلية منذ عقدين، بالإضافة إلى اكتشافات لمخزونين، مثل «قرش ــ تنين»، و«أفروديت» الموجودين فى المياه الاقتصادية الخالصة لقبرص بالقرب من المياه الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، بالإضافة إلى مخزونات أُخرى.

خلال فترة قصيرة اكتُشفت فى المياه الاقتصادية الإسرائيلية وحدها احتياطات من الغاز الطبيعى يبلغ حجمها أكثر من 1000 مليار متر مكعب. المقصود كميات تساوى 200 عام من استهلاك الغاز الطبيعى فى الاقتصاد الإسرائيلى فى تلك الفترة. وأدت الحجوم الكبيرة لاكتشافات الغاز إلى تغيير أساسى وجوهرى فى تخطيط الطاقة على المدى البعيد فى دولة إسرائيل، وتحسن دور الغاز الطبيعى من مصدر من مصادر الطاقة فى سلة الوقود فى إسرائيل إلى مصدر الطاقة الأول المهيمن فى إسرائيل. وفعلا خلال وقت قصير فقط، وفى مصطلحات عالم الطاقة أصبح الغاز الطبيعى مصدر طاقة أساسيا لإنتاج الكهرباء فى إسرائيل (فى سنة 2016، 70% من الكهرباء فى إسرائيل أُنتجت بواسطة الغاز الطبيعى)، وأصبح مصدر الطاقة الأول فى قطاع الصناعة.

مع ذلك، فقد فاقت حجوم الغاز الطبيعى المكتشف على سواحل إسرائيل عشرات المرات الحاجات المحلية للاقتصاد الإسرائيلى، ومع الحاجة إلى تطوير مشروع ضخم من جهة، ومن جهة أُخرى المحافظة على مبادئ الأمن فى مجال الطاقة التى تستند إلى توزيع مصادر الإنتاج والمحافظة على البنى التحتية، برزت الحاجة إلى إيجاد مصادر طلب إضافية من خارج إسرائيل. وللمرة الأولى فى تاريخ إسرائيل يتغير وضعها من دولة مستوردة للطاقة إلى دولة ذات قدرة تصدير مهمة للغاز الطبيعى. بالإضافة إلى ذلك كله تحولت إسرائيل إلى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تملك فوائض من الغاز الطبيعى معدة للتصدير.

إن أحد أهداف تصدير الغاز الطبيعى الإسرائيلى هو السوق المصرية. لقد مر اقتصاد الطاقة المصرى فى العقد الأخير باضطرابات دراماتيكية نتيجة الجمود الذى ساد سنوات طويلة تطوير قطاع الغاز المصرى نتيجة الظروف التجارية السيئة التى سادت فترة طويلة من الزمن، وأيضا فى ضوء عدم الاستقرار الداخلى وجراء الثورة فى مصر. فى السنوات الأخيرة قام الرئيس المصرى السيسى بثورة حقيقية وحسن الظروف التجارية فى سوق الغاز المصرية. والخطوات التى قام بها السيسى بالإضافة إلى استقرار النظام فى مصر، أديا إلى تجدد أعمال التنقيب والتطوير فى حقول الغاز فى مصر التى وصلت إلى ذروتها مع اكتشاف حقل «ظهر» الضخم.

مع ذلك، وعلى الرغم من اكتشافات الغاز المصرى منذ وصول السيسى إلى الحكم، فإن إنتاج الغاز من الحقول القديمة فى مصر يستمر فى الانخفاض، وتزداد الحاجة الكبيرة فى دولة يبلغ عدد سكانها نحو 100 مليون نسمة إلى تزود منتظم بطاقة رخيصة ونظيفة. بالإضافة إلى حاجة السوق المصرية المحلية إلى الغاز، يوجد فى مصر منشأتان كبيرتان لتسييل الغاز الطبيعى وتصديره، لكن فى ضوء أزمة الغاز فى الدولة توقف فى السنوات الأخيرة التزود المنتظم بالغاز. والمنشأتان اللتان وظفت فيهما شركات دولية مليارات الدولارات بقيت سنوات مهجورة.
يمكن التقدير أن اتفاق التصدير المبرم فى فبراير لتزويد السوق المصرية بالغاز هو الخطوة الأولى من التعاون الإقليمى فى مجال الطاقة. بالإضافة إلى كميات الغاز المعدة للتصدير التى اكتُشفت على شواطئ إسرائيل، هناك إمكانات لاكتشاف نحو 2100 مليار متر مكعب أخرى على شواطئ إسرائيل فقط. بالإضافة إلى ذلك هناك إمكان لا بأس به لاكتشاف الغاز الطبيعى فى المياه الاقتصادية لدول أخرى فى الشرق الأوسط.

صحيح أن اتفاق تصدير الغاز الطبيعى إلى مصر وُقع بين أطراف خاصة، لكن الحكم المصرى برئاسة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى أعرب عن ارتياحه لأنه بفضل الصفقة حققت مصر موطئ قدم فى سوق الطاقة فى الشرق الأوسط، وهو ما يضعها كمركز طاقة إقليمى، وبحسب كلماته «سجلت هدفا هائلا»، لأن ما جرى يدفع قدما بصورة كبيرة نحو تحويل مصر إلى مركز إقليمى لتصدير الغاز الطبيعى.

يُظهر توقيع اتفاق تصدير الغاز وتصريحات الحكم المصرى التى أتت بعده المصالح المتبادلة الطويلة الأمد بين الدولتين، كما يمنح علاقات السلام بينهما عمقا إضافيا مهما مثلما تسمح صناعة الطاقة المصرية والإسرائيلية ببناء منصة ثابتة، فإنها تؤسس مصالح استراتيجية بعيدة المدى وتعاونا إضافيا بين إسرائيل ومصر وبين دول أُخرى فى المنطقة، يمكنها تقديم مساعدة اقتصادية وفى مجال الطاقة إلى المنطقة كلها.
أمير فوستر
معاريف

 

التعليقات