السنوات التى أكلها الجراد - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 9:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السنوات التى أكلها الجراد

نشر فى : الأحد 10 يونيو 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 10 يونيو 2012 - 8:50 ص

أحد أكثر ملامح الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية إزعاجا هو عدم وجود القيادة السياسية فى أى مكان. فليس هناك من لديه الشجاعة لأن يقول الحقيقة لشعبه. والحقيقة، للأسف، هى أن أعمدة الاقتصاد العالمى الحالى الأربعة ــ أوروربا وأمريكا والصين والعالم العربى  قد بدد كل منهم، بطريقته، الأرباح الضخمة التى تمتع بها فى العقود الأخيرة، والآن عليهم الخروج من المأزق بموارد أقل ووقت أقل، ومن المؤكد تقريبا بألم أكبر. وليست هناك طريقة سهلة للخروج من هذا الوضع. لكن بما أن مواجهة هذه الحقائق الصعبة أصبح لا يمكن تجنبها، فأنا أظن أنه من المرجح أن نرى شيئا من السياسة الهوجاء الغاضبة المزعزِعة التى قد تجعل الانتعاش الاقتصادى أكثر صعوبة. فالحفر العميقة والقادة الضعاف توليفة سيئة.

 

●●●

 

لنبدأ بأوروبا. فقد تمتعت اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال جميعا بـ«الربح الألمانى». ذلك أنها تمتعت بأسعار الفائدة على المستوى الألمانى باعتبارها أعضاء فى منطقة اليورو، على الرغم من أنها لم تكن منتجة أو منظمة كالمدخرين والعمال الألمان. وبدلا من استخدام الأرباح لتحديث اقتصاداتها وجعل أنفسها أكثر قدرة على المنافسة وأكثر إنتاجية، اتجهت إلى العقارات أو الإسراف الاستهلاكى الذى أضعف بشدة بنوكها أو موازاناتها القومية. والآن لا مفر من تسديد الفواتير.

 

استنكرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذه «الفرصة الضائعة» لإصلاح اقتصاداتها فى كلمة ألقتها يوم السبت، كما جاء فى بلومبرج نيوز. وقالت إن فوائد الإقراض المنخفضة التى جاءت مع العمل باليورو تعنى أن «بلدانا كإيطاليا أصبحت بالفعل ندّا لألمانيا من ناحية أسعار الفائدة. ولم تُستَغَل الحرية التى خلقها هذا الوضع لتحسين القدرة التنافسية طويلة المدى. بل استُغِل الوقت لإنفاق الكثير جدّا من المال فى الاستهلاك والقليل جدّا من الوقت فى معالجة الإصلاحات».

 

نقلت بلومبرج عن نيكولاوس بلوم كبير الكُتَّاب السياسيين فى صحيفة «بيلد» قوله إن الدولة اليونانية «يتعين عليها إعادة البناء، كما هو الحال فى أية دولة نامية.» كما قال: «لابد فى النهاية أن يقول شخص ما من منطقة اليورو الحقيقة لليونانيين: هذه البداية الجديدة يمكن إنجازها بخطوة أولى جذرية. ويعنى هذا التخلى عن اليورو.» وللعالم العربى 50 عاما من الحكم المستبد الذى أمر فيه القادة من ليبيا إلى تونس إلى مصر إلى سوريا إلى اليمن تدريجيّا بالإصلاح من أعلى لأسفل. واستخدم الديكتاتوريون العسكريون فى كوريا الجنوبية وتايوان فوائض قوتهم لبناء اقتصادات تقوم على التصدير وتعليم شعبهم كله، مما خلق طبقات وسطى ضخمة استولت على السلطة بصورة ديمقراطية بالتدريج. لكن القادة العرب استخدموا فوائد القوة لديهم وثروتهم لتجاهل تقرير حقوق الإنسان العربى الخاص بالأمم المتحدة الصادر فى عام 2002، وهو الذى قال إنهم كانوا بحاجة ماسة إليه للتغلب على ما يفتقرون إليه من حرية ومعرفة وتمكين للمرأة. وبدلا من ذلك أثروا شريحة صغيرة من سكانهم وألهوا بقية الشعب بأشياء لامعة، كإسرائيل أو الناصرية الشعبوية. والآن يتعين على العرب الخروج من هذا المأزق بأنظمة سياسية متصدعة وأعداد كبيرة من السكان الشباب. من الذى سيقول لشعوبهم إن بناء الاقتصادات التنافسية ذات المدارس الحديثة سيكون تحديا هائلا؟ والاضطرابات التى تشهدها الشوارع المصرية حاليا عينة مما سيأتى.

 

●●●

 

يُحسب للصين أنها استخدمت أرباح صادراتها الضخمة لبناء البنية التحية الخاصة بالقرن الحادى والعشرين وتعليم شعبها، مما خلق طبقة وسطى عملاقة. لكن القيادة الصينية الحالية لم تستخدم هذا النمو الاقتصادى المتزايد بسرعة كبيرة لإدخال الإصلاح الاقتصادى التدريجى كذلك. فالفساد على ما هو عليه من سوء، ومازالت الشفافية ذات الصبغة المؤسسية وحكم القانون ضعيفين ولا وجود للسياسة التوافقية. وإذا تباطأ النمو واتسعت الدخول أكثر، فسوف يتراكم قدر أكبر من البخار فى ذلك النظام دون أن يكون هناك منفذ لخروجه، وهو ما يعد بالتأكيد سببا لتحذير وين جياباو، رئيس وزراء الصين المتقاعد، فى شهر مارس من أن بلده وصلت إلى «مرحلة حرجة». وأضاف وين أنه بلا «إصلاح سياسى» حقيقى «من المستحيل إحداث الصين لإصلاح اقتصادى حقيقي، ومن الممكن أن تضيع المكاسب التى فى تلك المجالات، والمشكلات الجديدة ... لن تُحَل بشكل أساسى، وربما تحدث تلك المآسى التاريخية كالثورة الثقافية مرة أخرى فى الصين».

 

بالنسبة لأمريكا، فى التسعينيات استمتعنا بأرباح السلام وأرباح شركات تكنولوجيا المعلومات وأرباح أسعار النفط المنخفضة، التى اتحدت معا لخفض العجز الفدرالى. لكن الحادى عشر من سبتمبر وحربين، يصاحبها خفض الضرائب وعدم زيادة الضرائب وخطة وصف أدوية الرعاية الطبية والإنقاذ الضرورى لمنع الكساد المحتمل وضعنا بشكل أكبر فى الدَّين أكثر من أى وقت مضى.

 

●●●

 

وهكذا فإنه بالنسبة لأوروبا والعرب والصين وأمريكا، بطرق مختلفة، كانت تلك السنوات التى أكلها الجراد. وسيكون التعافى من جديد مؤلما بالنسبة لنا جميعا. ولو كنت الرئيس أوباما لركزت حملتى الانتخابية بالكامل الآن على جهد إعادة صياغة «هامش عريض» مع الجمهوريين يقوم على تشجيع البنية التحتية المربوط بإعادة التوازن المالى طويل المدى الخاص بخطة سيمبسون ــ باولز. وعلى أقل تقدير، سوف يبين ذلك أن أوباما لديه خطة معقولة لإصلاح الاقتصاد ــ وهو ما يريده الناس بشدة من الرئيس ــ ومن المؤكد أن كثيرين فى قطاع الأعمال سوف يدعمونها. ولا يمكننا الانتظار حتى يناير للقيام بوضع سياسات جدى مرة أخرى. نحن والعالم نريد من أمريكا أن تكون صخرة الاستقرار ــ الآن.

 

كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفية. يحظر نشر هذه المادة او إذاعتها او توزيعها بأي صورة من الصور

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات