سقوط «نوح» فى بيروت - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 9:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سقوط «نوح» فى بيروت

نشر فى : الثلاثاء 10 يونيو 2014 - 5:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 يونيو 2014 - 5:25 ص

العاصمة اللبنانية تتمتع برئة قوية، شجاعة، تتحلى بأنفاس الحرية، فمنذ عقود طويلة، بينما تمنع السلطات المرتجفة فى بلادنا العربية، هذه القصيدة أو تلك الرواية أو ذلك الفيلم، ستجد الأعمال المصادرة نابضة بالحضور فى بيروت، مما يعطى للمدينة قيمة ثقافية رفيعة، لا تتوافر فى عواصم أكبر حجما، تسبب ضيق أفق كبارها الأقزام، فى تصغير شأنها.

هذا الكلام بمناسبة استمرار عرض فيلمى «حلاوة روح» و«نوح» فى عدة قاعات بيروتية، الأمر الذى دفعنى لحضورهما، كى أتعرف أولا على كيفية استقبال الجمهور اللبنانى للفيلم المصرى، ورأيه فيما شاهده.. ثم، ثانيا، أطلع على الرؤية الهوليوودية لسيدنا «نوح»، عليه السلام، ومحاولة تقييم الفيلم الذى لايزال عرضه، فى القاهرة، محل شك.

الرياح لا تأتى كما تشتهى بالسفن.. بعد جدل مضن مع صديقى فى الزيارة، على أبوشادى، وافق على مضض أن يذهب معى إلى «حلاوة روح».. وخوفا من أن تكون القاعة مزدحمة، ولا نجد مقعدين، شددنا الرحال إلى دار العرض قبل الموعد بساعة. قطعنا تذكرتين من الموظف المبتسم بغموض. ابتسامة تحمل معنى يتجاوز مجرد الترحيب.. دخلنا، جلسنا، وما أن بدأ عرض الفيلم حتى أدركت سر الابتسامة الغامضة: لم يكن فى القاعة إلا شخصين فقط. على أبوشادى، المغتبط بفشل مشروعى، وأنا، المحبط.

سألت كشاف الصالة ــ الممسك ببطارية لا يستخدمها لأنها بلا ضرورة ــ عن سر غياب الجمهور، ومتى تلاشى الإقبال على «حلاوة روح».. فهمت منه أن المتفرجين، منذ الحفلات الأولى، لم يتحمسوا للفيلم. استقبلوه بفتور انتقل للجمهور المحتمل. لكن، بعد الجعجعة التى اندلعت حوله فى القاهرة، انتعش «حلاوة روح» مؤقتا، ثم تم هجرانه تماما.. وبدوره، سألنى مندهشا: لماذا أوقفتم عرضه؟ واستطرد: أنه ليس أسوأ من بقية أفلامكم، وعلى الطريقة اللبنانية الرفيقة، المشبعة بروح الدعابة، أنهى كلامه بقوله: كما أنه ليس أسوأ من أفلامنا.. انصرف ضاحكا.

أما «نوح»، ففيما يبدو أنى تهيأت نفسيا لمشاهدة أحد الأعمال العظيمة، الملحمية، المبهرة.. لكن، ما حدث بالنسبة لى، يتمثل فى خيبة أمل كاملة الأسباب، على رأسها أسلوب الإخراج الذى اتبعه وارين آرنوفسكى، حيث يحاكى فيه طريقة تحقيق أفلام الخيال العلمى، ويحاول، المرة تلو المرة، خطف عين المتفرج بمعارك وحشية بين ملائكة من نار، وجحافل من بشر، الكثير منهم أشرار، يريدون الوصول إلى الفلك الذى شيده نوح، لتدميره أو الاستيلاء عليه.

من دون عناوين أو أسماء، يبدأ الفيلم مباشرة، بلوحات سريعة مع صوت راوٍ يحكى بإيجاز قصة الخلق بآدم وحواء والتفاحة ومقتل هابيل على يد أخيه قابيل، ثم يطالعنا نوح طفلا الذى يشهد مقتل والده على يد الملك، الشرير، السفاح.. وحين يكبر نوح، يوحى له الرب بضرورة إنقاذ «الحديقة»، بنبتاتها، ومخلوقاتها، بأن يبنى الفلك ويأخذ من كل نوع زوجين، تجنبا للطوفان الذى سيغرق الأرض.

«نوح»، بأداء راسل كرو، يغدو رجلا قوى البنية، صاحب عزيمة من فولاذ، رب أسرة حنون وصارم، يشرع فى بناء سفينته الكبيرة، بمساعدة الملائكة المغضوب عليهم، الأقرب إلى الكائنات الصخرية، وقد جاء تصميم أشكالهم على نحو يفوق السفينة فى الدمامة، وكما ألعاب «الأتارى» ينزلق الفيلم فى متابعة مملة للصراع الدامى بين الأشرار الذين، بعد عناء، يهزمون ملائكة الصخر والنار.. وما أن يقتربوا من الفلك حتى يأتى إنقاذ نوح، وعائلته، فالأرض تنهار، يخرج منها حمم بركانية، والمياه تتدفق من السماء، تنهر من التلال لتغرق الخليقة، بمن فيهم من أطفال.. ويستمر الحال كما هو عليه، بما يثبت شغف المخرج بإمكانيات «الجرافيك». الصنعة والتصنع من المظاهر شديدة الوضوح، تصل إلى حد التكلف، وتودى بالأداء التمثيلى للجميع، الذى تغمره الافتعالات الإخراجية.

بعد أسبوع من عرض الفيلم انسحب من معظم الصالات، واكتفى بحفلة واحدة يوميا، فى بعض السينمات، وأثناء عرضه، فى الحفلة التى حضرتها، تسلل خارجا عدد كبير من الجمهور القليل.. لقد سقط الفيلم فى بيروت، كما سقط فى العديد من عواصم العالم.. وأزعم أنه كان سيلاقى ذات المصير إذا عرض فى القاهرة. لكن رزالة منعه، التى لا تقل عن سماجة سحب ترخيص «حلاوة روح»، أعطت للفيلمين قيمة أكبر من حجمهما، وجعلت عاصمتنا تبدو صغيرة معنويا، خائفة، مذعورة، على غير حقيقتها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات