الأخطر من بعض مواد مشروع قانون مكافحة الإرهاب، هو الطريقة التى يتم بها اعداد وسلق القوانين بصورة تنذر بأننا أمام عقليات قد تقودنا إلى كوارث لا حصر لها.
لم تكن النصوص فقط هى الخطيرة مثل المادة ٣٣ التى تحبس أى صحفى لمدة عامين لمجرد انه كان فى موقع الحدث، أو بقية بعض المواد شديدة الجدل فى هذا القانون وتناولها كثيرا من الزملاء بالبحث والمناقشة الجادة والمعمقة. فجأة استيقظنا من نومنا بعد ساعات قليلة من الهجوم الإرهابى الجبان على كمائن الجيش والشرطة فى الشيخ زويد يوم الأربعاء قبل الماضى لنتفاجأ بأن هناك مشروعا للقانون أجازه مجلس الوزراء وحوله فورا إلى رئيس الجمهورية لإصداره، هذه السرعة القياسية أعطت انطباعا بأن المشروع كان موجودا فى الأدراج، ولم يكن ينتظر إلا أول حادث إرهابى لتمريره!.
تسريبات أخرى تقول ان المادة الكارثية رقم ٣٣ لم تكن موجودة أصلا فى مشروع القانون القديم «المركون على الأرفف»، لكن تم حشرها عنوة وسط بقية المواد، بسبب الأداء السيئ لبعض وسائل الإعلام فى تغطية إعداد الضحايا الفعليين للقوات المسلحة فى الحادث الإرهابى بالشيخ زويد.
المستشار أحمد الزند وزير العدل قال كلاما فى غاية الأهمية يوم الخميس الماضى خلال اجتماع المهندس إبراهيم محلب مع بعض رؤساء تحرير الصحف وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين إنه كان من الضرورى عرض مشروع القانون على الصحفيين، وكذلك للحوار المجتمعى قبل إقراره فى مجلس الوزراء. هذا كلام عاقل جدا، ولا ندرى لماذا لم يتم ذلك، ومن هى القوة الخفية التى أقرت القانون فى فيمتو ثانية؟!
المجلس القومى لحقوق الإنسان قال أيضا انه لم يتم استشارته من قريب أو من بعيد قبل إصدار القانون، وهو أمر يخالف الدستور.. ونسأل أيضا كيف فات ذلك على كل أهل الحكم فى مصر؟!
فى نفس الاجتماع قال محلب كلاما طيبا عن الصحافة المصرية ودورها فى الفترة الأخيرة، متعهدا بأنه لن يتم حبس أى صحفى وسرت روح جديدة خلال وبعد الاجتماع تشير إلى اننا بدأنا نخرج من الأزمة بفضل بعض العقلاء الذين لعبوا دور إطفائيى الحرائق فى الايام الماضية.
هذا الكلام جيد جدا، لكن الأهم ان تكون القوانين واضحة وليست فضفاضة، فلا تكفى فقط النية، لأن الوزارة من الممكن ان تتغير فى أى وقت، والذى سيبقى هو القوانين سيئة السمعة، وبعضها جرى إصداره فى ظروف مشابهة، وتغيرت الظروف ثم ظلت القوانين كما هى.
السؤال هو: من هذا العبقرى الذى ورط الحكومة والرئاسة والدولة فى هذه المصيدة، وجعلها تدخل طوال أسبوع كامل فى صراع مع الصحفيين والكتاب والمفكرين ومجتمع حقوق الإنسان، وجميعهم يقفون مع الدولة ضد الإرهاب.. ومن الذى يتحمل فاتورة الخسائر الفادحة التى لحقت بالدولة طوال الأيام الماضية؟!
وإذا كان الجميع يتبرأون من هذه المادة رقم ٣٣.. فمن الذى وضعها سرا؟!.
نريد ان نتأكد فى الأيام المقبلة ان هذه الطريقة فى إصدار القوانين لابد ان تتغير، وان تسير الامور فى الطريق الطبيعى، نحن فى غنى عن هذه المعارك والصراعات العبثية، لأننا بدلا من التفكير فى كيفية مواجهة الإرهابيين والمتطرفين، انشغلنا بصراعات داخلية ورغبة البعض فى حبس الصحفيين.
مجمل ما حدث يؤكد الضرورة على وجود برلمان بأسرع وقت ممكن. وان نعود إلى ممارسة السياسة وليس إلى سياسة الأمر الواقع.