من أسرار قمة الأقوياء - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الإثنين 7 يوليه 2025 2:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

من أسرار قمة الأقوياء

نشر فى : الأحد 10 يوليه 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الأحد 10 يوليه 2016 - 9:25 م
كشف النقاب أخيرا عن أن تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى لم يتم فقط بين وزير الخارجية البريطانى مارك سايكس ونظيره الفرنسى جورج بيكو. لكن طرفا روسيا ثالثا كان موجودا على الطاولة وحضر القسمة لكنه لم يفز بحصته منها فأفلتت تركيا من القبضة الروسية. دلتنا على الاكتشاف قناة «روسيا اليوم» التى بثت يوم ٢٥/٦ الماضى برنامجا بمناسبة مرور مائة عام على توقيع اتفاقية سايكس بيكو فى أثناء الحرب العالمية الأولى (عام ١٩١٦). إذ فى ثنايا برنامج «رحلة فى الذاكرة» الذى تابعه موقع «الخليج أون لاين»، عرضت القناة لأول مرة وثيقة من الأرشيف الشخصى لوزير خارجية الإمبراطورية الروسية سيرجى سازونوف ذكر فى إحدى فقراتها ما يلى: «أثناء مفاوضاتى الشخصية مع السير مارك سايكس، والسيد جورج بيكو، تم إعداد وتدقيق المكتسبات الإقليمية من أراضى الإمبراطورية العثمانية، وفى أبريل ١٩١٦، وبانتهاء هذه المفاوضات، واستيضاح الرغبات، أخبرتهما بموافقة حكومة الإمبراطورية الروسية على المطالب التى تقدم بها كل من الطرفين، الإنجليزى والفرنسى، فيما يتعلق بإلحاق بلاد الرافدين بإنجلترا، وإلحاق سوريا وكيليكيا بفرنسا، شريطة أن تحصل روسيا فى آسيا الوسطى الصغرى على أرضروم، وطرابزون، وبدليس، وصولا إلى نقطة عند ساحل البحر الأسود يتم تحديدها عند ترسيم الحدود الجديدة». أضاف الوزير الروسى قوله إن «جزء كردستان الذى يقع إلى الجنوب من فان وبدليس يجب أن يلحق أيضا بروسيا، مقابل الأراضى الواسعة التى حصلت عليها فرنسا فى آسيا الصغرى».

سجل سازونوف فى الوثيقة أن تلك هى الخطوط العريضة للاتفاقية التى توصلت إليها الحكومة الروسية مع مفوضى إنجلترا وفرنسا عام ١٩١٦. مضيفا أن «الاتفاقية تضمنت بندا منفصلا يشير إلى أن الشرط الأساسى لسريان مفعولها»، هو تحديد «الاستمرار فى الحرب (العالمية الأولى) حتى نهايتها المظفرة». واستطرد قائلا: «كنت مؤمنا إيمانا لا يتزعزع بانتصار الوفاق الثلاثى وإرادة أطرافه الصلبة بإيصال القضية حتى نهايتها، ولم أكن أتوقع أن وطنى، روسيا، الدولة العظمى الوحيدة التى لن تنفذ الشرط الأساسى انسحبت من الحرب بناء على إرادة قادة الثورة (البلشفية)، وذلك فى الوقت الذى لم يتبق فيه وقت أمامها سوى أن تبذل مجهودها الأخير فى الحرب لتنتصر وتجنى ثمار ثلاث سنوات من الصراع المرير».

حين اندلعت عام ١٩١٧ فى شهر أكتوبر الثورة التى قادها البلاشفة كان النص على شرط الاستمرار فى الحرب حتى نهايتها المظفرة يعد شكليا، لأن الجميع كانوا يريدون الانتصار على العدو، إلا أن الثورة البلشفية أعطت ذلك الشرط الشكلى مضمونا فعليا، الأمر الذى ضيع على روسيا فرصتها التاريخية.

علق على الوثيقة سيمون باغداساروف مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وبلدات آسيا الوسطى فى موسكو قائلا إنه: «كان من المفترض ــ بحسب الاتفاقية ــ وباعتراف فرنسا وإنجلترا، أن تلحق بالإمبراطورية الروسية، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كل من منطقة البوسفور والدردنيل، والقسطنطينية، وجزء من أرمينيا الغربية، تشمل بدليس، وفان، وطرابزون، وأرضروم، ومقاطعة كردستان، والأراضى التى دونها حتى نهر دجلة (...) وهو ما كان سيحقق مكسبا هائلا لروسيا. إذ لولا الثورة البلشفية لكانت ضمت كل تلك المناطق إلى الإمبراطورية الروسية. ورأى باغداساروف، أن روسيا خسرت «بالفعل فرصا هائلة إرضاء للماركسية وأيديولوجيا كانت آنذاك غريبة عن الشعب الروسى، لذلك أدت إلى الحرب الأهلية الدامية، أى إن روسيا أضاعت فرصة التقدم باتجاه الجنوب نحو البوسفور والدردنيل، وخسرت مطامحها بالسيطرة على القسطنطينية».

وبحسب الباحث الروسى فإن «٢ مليون عسكرى روسى قتلوا فى الحرب العالمية الأولى وبالنهاية كان الانقلاب البلشفى حصيلة تلك الحرب (...) منذ ذلك الحين ظل الخطر الأكبر فى الإمبراطورية الروسية متمثلا فى العدو الداخلى الذى يثير الفتنة وليس العدو الخارجى».

أضاف باغداساروف قوله: مهما كان ما طمحت روسيا إلى ضمه قبل ١٠٠ عام، فإنها بعد ذلك التاريخ خسرت ليس فقط مليون كم متر مربع من الأراضى التى ضمنتها لها الاتفاقية، بل خسرت أيضا دولا نالت استقلالها عما عرف لاحقا باسم الاتحاد السوفييتى، وهى اليوم على الرغم من خوضها حربا ضد الشعب السورى مع حليفها نظام بشار الأسد، وضمها إقليم القرم من أوكرانيا، فإنها أوهن من أى وقت مضى فى تاريخها.

يبقى بعد ذلك سؤال كبير حول أهداف وسائل الإعلام الروسية من بث هذه الوثائق التى تتحدث عن القسطنطينية واستعادتها، والأحلام الروسية فى التركة العثمانية، بالخصوص مع تأزم العلاقات بين أنقرة وموسكو، عقب تدخل الأخيرة فى الحرب مع الأسد ضد الشعب السورى، وإسقاط تركيا لطائرة حربية روسية تخطت مرارا حدودها وسيادتها، والأزمة التى ترتبت على ذلك بين موسكو وأنقرة.
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.