أزمة الثقة بين الثورة والخارج - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 5:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الثقة بين الثورة والخارج

نشر فى : السبت 10 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 10 أغسطس 2013 - 11:10 ص

قدمت ثورة ٢٥ يناير خدمتين للسياسة الخارجية المصرية، تمثلت أولاهما فى إعادة إحياء الدبلوماسية الشعبية أو دبلوماسية المواطن المتحررة من القيود المؤسسية المفروضة على الدبلوماسية الرسمية للدولة، فقد تحول كل مواطن يجيد اللغات الأجنبية واستخدام وسائل التواصل عبر الإنترنت إلى فاعل نشط فى علاقات مصر الخارجية، وأصبح النشطاء والباحثون بل ورجال الأعمال بمثابة سفراء يتحدثون باسم الثورة المصرية فى المحافل الدولية الرسمية وغير الرسمية إلى جانب تواصلهم المستمر مع الرأى العام العالمى من خلال وسائل الإعلام. هذا بالإضافة إلى وفود الدبلوماسية الشعبية التى زارت عدة دول داخل المنطقة وخارجها، كما اكتسبت نخبة النشطاء السياسيين خبرة التغلغل فى أنظمة ومؤسسات صنع السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية.

ترتبت الخدمة الثانية على الأولى، فقد استطاع المتظاهرون خلال الثمانية عشرة يوما ولفترة قصيرة بعدها التواصل مع الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، دون استعدائه بالضرورة. فقد خرج المتظاهرون بمناسبة الثورة على نظام مبارك تحديدا ولم يخرجوا بمناسبة الاحتلال الأمريكى للعراق أو الاعتداءات الإسرائيلية فى فلسطين. وفيما يخص شعارات الثورة، فقد كانت تعادى الخارج فى إطار محدد وهو إطار المساندة الخارجية لنظام مبارك. بل إن فكرة كتابة شعارات باللغة الانجليزية وتوجيهها خصوصا للولايات المتحدة لفت انتباه واشنطن إلى الفاعلين الجدد الذين يفرضون أنفسهم على العلاقات بين الدولتين. وقد ساهمت تصريحات باراك أوباما وبعض الزعماء الغربيين غداة الثورة فى الإيحاء بأن حكوماتهم على استعداد لإعادة هيكلة علاقاتها مع مصر بحيث لا يكون الحفاظ على مصالحها فى الشرق الأوسط رهينة فى أيدى النظام الحاكم على حساب الشعب.

لكن هذه الصفحة الجديدة فى علاقات مصر الخارجية ما لبثت أن انطوت كما تبين من رد الفعل الغربى على عزل نظام الإخوان. ويرجع هذا التحول فى عمومه إلى نجاح النظام فى الفترة السابقة فى الحفاظ على العلاقة العضوية بين مصالح النظام الحاكم فى مصر ومصالح القوى الغربية من خلال تكريس دور النظام الحاكم كعازل بين جموع الشعب الغاضبة من جانب، ومصالح الحكومات الغربية، من جانب آخر. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن أن ننكر أن الحركة الشعبية فى مصر أرسلت إلى الخارج ثلاث رسائل على الأقل أدت إلى فقدانها لتعاطف الرأى العام والحكومات الأجنبية. واليوم، ينبغى على المواطن ــ الدبلوماسى أن يعمل على تصحيح هذه الرسائل لكى تكون الدبلوماسية الشعبية للثورة مكملة للدبلوماسية الرسمية للدولة ولكى يستخلص الغرب أن حماية مصالحه لا تمر فقط عبر القنوات الدبلوماسية المرتبطة بالنظام الحاكم.

•••

أول الرسائل السلبية جاءت مع رفض بعض ائتلافات شباب الثورة لقاء بعض المسئولين الأمريكيين الذين زاروا مصر بعد الثورة. بعدها بفترة، توالت الاعتداءات على السفارات الغربية والعربية والإسرائيلية. فلا يمكن أن تكون صورة «الثوار» إيجابية فى الخارج وقد اعتدى المتظاهرون على سفارات لدول تختلف علاقة مصر مع كل واحدة منها اختلافا جذريا عن الأخرى. هذا بالإضافة إلى أن «مصر الثورة» غادرها سفيرا إسرائيل والسعودية إثر هذه الاعتداءات، علما بأهمية دور كل من الدولتين بالنسبة للقوى الغربية فى منطقة الشرق الأوسط. فكيف يمكن أن يطمئن الغرب إلى المتظاهرين فى الشوارع ويساند مطالبهم إذا كان الاعتداء على السفارات أسلوبا فى التعبير أيا كانت طبيعة علاقات مصر مع الدولة محل الهجوم.

الرسالة السلبية الثانية جاءت نتيجة استثارة السلطات الحاكمة لمشاعر القومية الكاذبة فى إطار من العداء الصريح للخارج. فقد انصاع الكثير من المتظاهرين لخطاب التخوين وخدمة «الأجندات الأجنبية» الذى تبناه المجلس العسكرى ونظام الإخوان بخصوص النشطاء المصريين والأجانب من العاملين فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان قبل وبعد القضية الشهيرة «بقضية التمويل الأجنبى». هذه الصورة دعمت فكرة عداء الثورة لأى دور أجنبى فى مصر وجعلت من عقد الصفقات مع نظام الإخوان المسلمين أسلم الطرق بالنسبة للحكومات والبرلمانات الأجنبية، خصوصا وبعد أن فرضت السلطات الحاكمة احتواء الأزمة على الرغم من استمرار غضب قطاع من الرأى العام المصرى.

أما الرسالة السلبية الثالثة فكانت تصنيف القضايا الإقليمية على أساس طائفى. وكان ذلك بالطبع رد فعل للصبغة الطائفية التى أضفاها نظام الإخوان المسلمون على السياسة الخارجية والسماح بالتداخل الطائفى بين القضايا الإقليمية وبين الثورة المصرية. ولعله من الأجدى للثورة المصرية أن تعود إلى روح ميدان التحرير التى شهدت إعادة إحياء التضامن الشعبى العربى والإقليمى المبنى على أساس مساندة أى ثورة على القمع أيا كانت هوية الثوار. فليس كل الثوار السوريين من الإخوان والجهاديين، وليس كل متظاهرى البحرين واليمن من الشيعة الموالين لإيران ويجب عدم مساندة التمرد فى مالى لمجرد أنه إسلامى.

وأخيرا، يقع على عاتق الدبلوماسية الشعبية تنظيم نفسها من أجل تحقيق هدفين. أولا، مساندة الجهود الدبلوماسية الرسمية المبذولة حاليا من أجل إعادة الثقة فى الحراك الشعبى. وثانيا، فرض نفسها كفاعل مؤثر فى صنع السياسة الخارجية وذلك لمنع النظم الحاكمة فى المستقبل من عقد صفقات تربط بين مصالحها ومصالح الحكومات الغربية على حساب المصلحة القومية، وكذلك من أجل التغلب على مقاومة المؤسسات التقليدية للسياسة الخارجية ضد دخول الناشط-الدبلوماسى معترك علاقات مصر الدولية. 

ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات