انكشاف الغموض عن أسطورة القرن ماتا هارى - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انكشاف الغموض عن أسطورة القرن ماتا هارى

نشر فى : الأحد 10 سبتمبر 2017 - 8:35 م | آخر تحديث : الأحد 10 سبتمبر 2017 - 8:35 م
نشرت مدونة Aeon مقالا للكاتبة «جولى ويلوريت» مؤلفة رواية («ماتا هارى» وأسطورة النساء فى التجسس) والحاصلة على ماجستير الكتابة الإبداعية من جامعة لندن، والتى تحاول فيه تسليط الضوء على الجوانب الخفية من حياة الجاسوسة الأشهر فى القرن الماضى، وتتناول حياتها الخاصة والتحول الذى شهدته حتى أصبحت عميلة مزدوجة لكل من فرنسا وألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى وكيف انتهت تلك الأسطورة بالإعدام رميا بالرصاص.
ففى بداية حياتها شهدت ماتا العديد من التعثرات، حيث انفصلت عن زوجها الذى حرمها من ابنتها، وتركها مع ابنها دون أى مصدر للرزق، فاضطرت لترك ابنها عند بعض أقاربها، وبدأت رحلتها للبحث عن المال من الصفر، هربت من وطنها هولاندا إلى باريس، حيث ضاقت عليها الحياة واضطرت للعمل كمعلمة للغة الألمانية وللبيانو.
حرصت «ماتا» على أن ترتقى بمستواها الاجتماعى وأن تنخرط فى صفوف النخبة الأرستقراطية كى تصبح إحدى أشهر السيدات المترفات من خلال حرصها على المشاركة فى كل أحداث الموضة والصالونات وعروض الأزياء حتى يلمع اسمها كنجمة فى سماوات الشهرة والمجد والثروة.
وبالفعل نجحت ماتا فى أن تكون أحد أبرز رواد صالونات الموضة من خلال توطيد علاقتها بأعلام مصممى الأزياء المترفة باهظة الثمن، وقدمت نفسها كأحد أبرز نجمات الإغراء، ولم تكتف بذلك إنما استغلت موهبتها فى الرقص وخلفيتها الشرقية (فهى من أصل إندونيسى) وصارت أشهر الراقصات الشرقيات فى أوروبا، لمع اسمها واصبح لها جمهورها الذى يرتاد المسارح لمتابعتها والتمتع برقصها وتفضيلها بالمقارنة بينها وبين الراقصات الأخريات المنافسات لها.
إلا أن الحياة ليست وردية دائما فقد يتخللها بعض السواد، حيث لم تستمر «ماتا» فى القمة وحدها إنما ظهر لها العديد من المنافسات ممن حاولن إزاحتها عن عرش النجومية، فتأثرت مكانتها قليلا وتعرضت لتقلبات بسبب تراجع أدائها أدت إلى خفوت نجم شهرتها ومن ثم تراجع جمهورها وثروتها، فعانت من جديد من الأزمات المالية والتهديد بخطر الفقر بعد تزايد التزاماتها وعدم قدرتها على الوفاء بها.
ولتدارك الموقف، حرصت «ماتا» على تقوية علاقتها برجال الأعمال والأثرياء، حتى تتمكن من الحفاظ على ثروتها. 
وبسبب طبيعة عملها أدركت أن جسدها ليس ملكًا لها وحدها، ومن ثم قررت استغلال جميع مواهبها بحثًا عن المال، وهكذا دخلت مجال الدعارة (الجنس مقابل المال).
***
تضيف الكاتبة أن الرياح تأتى بما لا تشتهيه السفن، فجاءت الحرب العالمية الأولى لتعصف بكل آمال وخطط «ماتا»، وعرقلة كل طموحاتها لجنى المال واكتناز الثروات، ففى ظل الحرب أُغلقت المسارح ولم تتح الفرص أمامها لممارسة العمل والتكسب من وراءها سوى من خلال الدعارة والدخول بعلاقات مع الجنود والمحاربين، فكانت تلك الخطوة بمثابة أول طريقها نحو الجاسوسية.
فقد تورطت فى علاقة جنسية مع «كارل كرومر» القنصل الألمانى لدى أمستردام، وعقد معها صفقة حيث أعطاها عشرين ألف فرانك وثلاث قنينات من الحبر السرى مقابل أن تتجسس لصالح الحكومة الألمانية وتجمع لهم ما يحتاجون لمعرفته من معلومات عن الحكومة الفرنسية، وقد اعترفت فيما بعد وأقرت بتورطها فى التجسس مستغلة فى ذلك علاقاتها مع الجنود وقدرتها على إغوائهم.
ووقعت ماتا فى الفخ الذى نسجت خيوطه بنفسها، فحينما كانت على متن السفينة العائدة لهولاندا اشتبهت بها القوات الفرنسية والبريطانية، وعرض عليها الضابط الفرنسى «جورج لادوكس» مبلغ مليون فرانك مقابل تجسسها على حكومة ألمانيا، وبالفعل قبلت بالعرض طمعًا فى المال، وخوفًا من رفض العرض حتى لا ينكشف أمر تجسسها لصالح المخابرات الألمانية وهكذا وقعت «ماتا هارى» فى فخ التناقض والخيانة وأصبحت عميلة مزدوجة لكلتا الحكومتين.
ولم تتمتع «ماتا هارى» بالمهارات الأساسية اللازمة للتجسس ولم تتمكن من إخفاء عمالتها المزدوجة وكُشف أمرها، حيث قُدمت للمحاكمة وواجهت تهمة التجسس والخيانة العظمى لها.
سُجنت فى باريس مطلع 1917، وكان السجن بالنسبة لها بمثابة الصخرة التى تحطمت عليها كل أحلامها وأفاقتها وأرجعتها إلى الواقع المشئوم، وتم استجوابها من خلال النائب العام الفرنسى وحاولت إثبات براءتها من تهمة الخيانة من خلال تأكيد أن اتصالاتها وعلاقتها بالجنود من طرفى الحرب هو أمر طبيعى بسبب طبيعة عملها كعاهرة فحاولت إلصاق تهمة لا أخلاقية بنفسها كى تبرأ من تهمة الخيانة العظمى.
***
وفى يوم الخامس عشر من أكتوبر لعام 2017 حُكم عليها بالإعدام رميًا بالرصاص، وأبت أن تضع الطاقية أثناء تنفيذ الحكم ولم تحن رأسها.
ونحن الآن بصدد الذكرى المائة لرحيل الجاسوسة الغامضة التى ظل جانب كبير من حياتها المعقدة مجهولا لنا، فقد كتبت العديد من الروايات التى حاولت تفسير الألغاز غير المعروفة والمبهمة فى حياتها، فحتى الآن كُتب ما يزيد عن 250 رواية عن حياتها. كما أن بلادها أصبحت تحتفى بها ولا تتنصل منها أو تتبرأ من انتسابها لها كما كان من قبل، فلأول مرة يقوم المركز القومى الهولندى للباليه (National Dutch Ballet) بإنتاج فيلم عن قصة حياتها.
ونحن على مشارف الذكرى المئوية لرحيلها، نجد أن مكانة «ماتا هارى» فى التاريخ قد تغيرت عما كانت عليه خلال حياتها!، حيث تُعتبر حاليا رمزا من رموز المدرسة النسوية يحتفون بها وبما حققته من إنجازات على الصعيد الشخصى وبما حققته من ثروة وشهرة ومجد بعد أن كانت فقيرة معدمة.

النص الأصلى 

 

التعليقات