نهاية البداية أم إعادة البداية؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نهاية البداية أم إعادة البداية؟

نشر فى : الأربعاء 11 أبريل 2012 - 10:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 11 أبريل 2012 - 10:40 ص

أمضى المجتمع المصرى أطول خمسة عشر شهرا فى تاريخه منذ أن انطلقت شرارة الثورة فى 25 يناير 2011، وهو يعيش حاليا فترة الذروة التى سوف تترك آثارها بالضرورة على حياته المستقبلة. ورغم أن الجميع، فى الداخل والخارج، أجمعوا على ضرورة التغيير، إلا أن القضية التى لم تحسم بعد، بل يبدو أنها ازدادت ضبابية وفجرت من الخلافات ــ ولا نقول الاختلافات ــ أشدها: ماهية التعبير. وكأننا الآن أمام مؤلف يخمن حبكة خيوط قصته عند اقتراب نهايتها، فالأحداث تتلاحق بصورة مذهلة، وكلها تندرج تحت عنوان صدق أو لا تصدق. وآخر الأحداث قيام السيد/ عمر سليمان (أو عمر بيه سليمان على حد قول مسئول عن حملته الانتخابية.. حارما إياه من رتبة الباشا التى استبيحت لكل من يملك سلطة ما) بالتقدم لترشيحات رئاسة الجمهورية التى داعبت أحلامه فى فبراير 2011. ويقال إنه كان يرفع معلومات عن حقيقة الأوضاع ولكن الذنب يقع على المخلوع الذى كان يستمع لبطانة السوء. وكأن من مقومات الرئاسة الجديدة أن يكون الرئيس معتادا على جدوى عدم العمل وفق حقيقة الأمور. والأغرب أن الأحداث كشفت مؤخرا أن أطرافا خارجية كانت ترتع على أرض مصر ولا تعمل فقط من خارجها، وتشترى الذمم لتخربها تحت سمعه وبصره فلم يحرك ساكنا. ربما إيمانا منه بأن هذا من دواعى استقرار الأمور ومتطلبات التخلى عن المسئولية الدولية بعد أن وصلت سمعة مصر فى الإطارين الإقليمى والدولى الحضيض. إذا كان ذلك معيار كفاءته فى المهنة التى نخصص فيها، فهل يشفع له الاضطلاع بكامل مسئوليات الدولة، وحل كافة مشاكلها؟

 

●●●

 

الصيحة الأخيرة هى لجوء الإخوان إلى عدم الاكتفاء بترشيح واحد، والاستعانة بنظام الدوبلير، ربما كتأكيد على إعلاء شأن الفن السينمائى الذى بات مهددا بسيف السلطة. وإذا كان العذر أن هناك مستجدات لم تكن مرئية من قبل، فإلى أى حد تطمئن الرعية إلى فراسة الراعى، وقدرته على اتخاذ قرار فى ضوء قراءة لرغبات واحتياجات الشعب، وليس على أساس صراع مع قوى يقال إنها ظهرت فجأة وأخرى أخلت بما ساد الظن بأنها تنويه؟ وفى الوقت نفسه يأتى المنهج الذى اتبعته فى تشكيل اللجنة الأساسية خير شاهد على أنها فرضت الوصاية كاملة على الشعب، دون أن تعلن التزامها بمعايير تضمن سلامة الناتج، فى مجال الحديث عن تأمين مصالح جميع فئات المجتمع. إن عضوية المجلسين النيابيين تستند إلى التمثيل الجغرافى الإدارى. غير أن مكونات المجتمع تتباين من زوايا متعددة. حتى فى الجغرافيا هناك أنماط تتفاوت بين سكان الوادى وسكان البادية الذين تغلب عليهم النعرة العشائرية بثقافتها الخاصة، التى تختلف بين سيناء والصحراء الغربية، إلى جانب التفاوت فى اهتمامات أبناء الوادى من الدلتا شمالا حتى النوبة جنوبا. هناك الاختلاف بين العقائد الدينية، وبين الفئات العمرية، وحسب نوع الجنس، وبين الطوائف المهنية. هناك ــ وهو الأخطر ــ الفجوة الرهيبة التى عمّقها النظام السابق بين المالكين والمعدمين ــ ليس الإقطاع والفلاحين كما كان الحال وقت قيام ثورة يوليو، بل من يملكون القدرات الاقتصادية والمعرفية، وقائمة لا صوت لها محرومة من أساسيات الحياة تضم الفقراء والمساكين والمهمشين والمعوّقين، وأطفال الشوارع الذين ينظر إليهم السادة على أنهم وصمة فى جبين مجتمع تنكّر لهم، ويدرجهم ضمن البلطجية عندما تتقدم بهم السن، وكأنهم خيروا ففضلوا معاداة المجتمع ورفضوا ما يمنحه الدستور من حقوق وواجبات، والذين يتعيشون مما تيسر من الزكاة أو من الرشاوى الانتخابية. إن هؤلاء جميعا يجب أن يشاركوا بأنفسهم أو يمثلوا بالمتخصصين فى دراسة أمرهم وتطوير شئونهم. إن الفرصة الوحيدة فى ضمهم كراما إلى المجتمع هى عملية صياغة الدستور.. أما الأغلبية (الحالية والمستقبلة) فلها فرصتها بحكم السيطرة على التشريعات المستندة إليه. وهكذا تؤكد الجماعة أنها تريد الجمل بما حمل دون اعتبار لأن المصريين ثاروا على من ينطبق عليه قول المولى عز وجل «إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى».

 

لنفرض جدلا أن الشعب وصل إلى اتفاق حول قضيتى الدستور والرئاسة وعاد الجيش إلى ثكناته فهل يعنى ذلك أن الفترة الانتقالية اختتمت، وأننا دخلنا دولة الجمهورية الثانية بمؤسساتها التى تعمل من اليوم الأول على التعويض عن مصائب الثلاثين عاما ومآسى الفترة الانتقالية؟ إن الشعب الذى هب هبة شخص واحد وأسعده أن يكون والجيش إيد واحدة سرعان ما اكتشف أن على كل فئة عليها أن تعمل ما يكفل تعويض حرمانهم من حقوق، بل والكفاح من أجل ألا تسوء الأوضاع. لقد عانى المجتمع عقودا أربعة من تفكيك ممنهج لأواصر العلاقات بين أبنائه، وبدلا من أن يفتح المسئولون عن إدارة شئون البلاد باب استرداد أواصر التآخى والتماسك، إذا بهم يكتفون بمشاهدة اشتعال التنافر وتبادل الاتهامات بالتسفيه والتخوين والتكفير.

 

●●●

 

أمام يوليو المقبل طريقان: إما بداية الجمهورية الثانية على أسس ثورة 25 يناير، أو بداية ثورة يوليو الثانية بعد 60 عاما على الأولى. دعونا لا نكرر خطأ وخطيئة اعتبار الفترة الانتقالية فترة جمود انتظارا للمؤسسات، وكأن مجرد إقامتها ترد الأمور إلى نصابها مثلما أدى غيابها إلى تداعيها. على العقلاء أن يتفقوا على برنامج إعادة بناء المجتمع، بدلا من مجرد اتهام الحكومة وهى المؤسسة المكلفة بالتنفيذ، بالقصور، ثم لومها على تكبيل حريات البشر فى الحركة، وإلزامها بإلحاق كل من تخلى عنه القطاع الخاص بوظائفها ثم اتهامها بالترهل ونسبته إلى صيغة اشتراكية اختيرت لإقامة مجتمع الكفاية والعدل. وحتى يكون لهذا البرنامج مغزى وجدوى يجب أن يحدد دور الأفراد والمؤسسات الرسمية والسياسية والأهلية والثقافية والأمنية فى بناء وتسيير مجتمع المستقبل.

 

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات