نابليون والمحروسة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 12:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نابليون والمحروسة

نشر فى : السبت 11 أغسطس 2012 - 9:25 ص | آخر تحديث : السبت 11 أغسطس 2012 - 9:25 ص

الملاحم، أصلا، تنهض على أساس صراع طويل، عنيف ودامٍ، بين كتلتين بشريتين. لكل كتلة قضيتها، ومنطقها، وأبطالها، وانتصاراتها، وهزائمها. بهذا المفهوم من الممكن النظر إلى «نابليون والمحروسة» على أنها تندرج فى باب الملاحم.. أخذت من ذلك الفن الموغل فى القدم، الاعتماد على وقائع التاريخ، وقدمت شخصيات كان لها دور فعال فى مسار الأمور، سواء المصرية أو الفرنسية، مع إشارات، أقرب للفلاشات السريعة، الكاشفة، عن قوى أخرى لها مصالحها، مؤثرة بدرجات متفاوتة مثل الإنجليز والأتراك.. فى «نابليون والمحروسة»، نشهد، بإحدى عينى الكاتبة عزة شلبى إلى ما جرى فى بر مصر، إبان سنوات الحملة الفرنسية، حيث اكتشاف الذات من ناحية.

 

وإدراك مدى تقدم الغزاة، علما وحربا، من ناحية أخرى.. أما العين الثانية للكاتبة، فإنها تنظر بها إلى ما يعتمل فى حاضر «المحروسة» إلى جانب الرؤية الناضجة الشاملة، للمسلسل المكتوب بوعى ومهارة، يأتى إخراج الموهوب، شوقى الماجرى، ليجعل العمل على درجة كبيرة من الجمال والصدق والقدرة على الجذب.. فى المشهد الافتتاحى، فى الحلقة الأولى، تظهر وسط الضباب، فى عرض البحر، سفن الأسطول الفرنسى، بأشرعتها الكثيفة، وتتسلل الكاميرا لتدخل قاعة القائد، بمحتوياتها التى تعبر عن حضارة وافدة، جارحة، فثمة الساعة الرملية، تأكيدا لقيمة الوقت، وعلى المنضدة نموذج مصغر لمدفع، إلى جانبه بعض الأوراق والأقلام. أى العنف والثقافة. القائد ينظر خلال تليسكوب نحو الإسكندرية، فماذا يدور بداخلها؟.. الإجابة تأتى فورا، فى مشهد جنازة، لا تخلو من فوضى، تدفن سيدة مسنة، وهى وإن كانت والدة إحدى بطلات المسلسل فإنها فى ذات الوقت، توحى بوداع مرحلة، وقدوم مرحلة جديدة.

 

يندلع الصراع بين جبهتين: المماليك، الشعب المصرى.. وفى المقابل، الغزاة، المسلسل، بشجاعة، يعترف للجبهة الأولى بما تتسم به من عزيمة، ولكن الجهل يجهلها بلا جدوى، بينما الجبهة الثانية، الظالمة، فإنها مدججة بالعلم، والمعرفة، والقوة. وربما يمكن القول إن تحريك المجاميع، ورصد المعارك الحربية، ودبيب الحياة فى الأسواق، من أفضل المشاهد التى قدمتها الشاشة الصغيرة، وتثبت مدى مهارة مخرجنا المتميز، شوقى الماجرى.. ويحسب للمسلسل أن كاتبته، عزة شلبى، لم تقدم طرفى الصراع كمجرد كتل صماء، ولكن، بخبرة ووعى، بينت تفاصيل هذه الكتلة وتلك. أهالى المحروسة، بينهم الوطنى حتى النخاع، مثل الزعيم المتفانى، عمر مكرم، والوغد الزنيم، فرط الرمان. وفى المقابل، ثمة الفرنسى الاستعمارى الميت الضمير، الذى يأمر بقطع لسان المتطاول على الغزاة، والفرنسى الفنان، المرهف الحس، مثل الرسام «دينون»، الذى يحنو على الجريحة «رقية»، ويعالجها قبل أن يطلق سراحها.. «البانوراما» التى تقدمها المؤلفة، مليئة بالأسماء الشهيرة، والمغمورة كل منها يصلح لبطولة مسلسل مستقل، المسلسل متعدد الأبعاد والمعانى، يعترف بجهل المصريين ويؤكد إمكانية استيعابهم لعلوم العصر، تتفشى فيهم الأمراض، لكن من الممكن علاجها. يعانون من الفقر إلا أنهم يتحملونه بجلد. تقدم لهم وعود الوقوف إلى جانبهم، من الخارج، إلا أنهم يدركون أن المعركة هى معركتهم هم فقط.. إنه مسلسل يستحق أكثر من نظرة.

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات