سؤال الرؤية الغائبة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سؤال الرؤية الغائبة

نشر فى : الثلاثاء 11 أكتوبر 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 11 أكتوبر 2016 - 9:15 م
حين صوتت مصر لصالح مشروعين متناقضين لفرنسا وروسيا بخصوص سوريا فى مجلس الأمن فإن ذلك ليس مفهوما حقا، لكنه ليس جديدا تماما. وربما كان الجديد فقط هو فى إخراج المشهد وأصدائه. أعنى كون ذلك التناقض حدث فى محفل دولى وأعلن على الملأ. ثم إنه تعرض لنقد جارح من ممثل دولة حليفة مثل المملكة العربية السعودية. وهو ما أحدث نوعا من الحيرة ودرجة من البلبلة. ليس فقط إزاء حقيقة وحسابات الموقف المصرى، ولكن أيضا إزاء العلاقات المصرية السعودية التى بدا أنها تمر بمنعطف حرج بعد الإعلان عن توقف إمداد مصر بحصة شهر أكتوبر من النفط.

التناقض غير المفهوم فى المواقف مرصود فى مجالات أخرى عديدة، الأمر الذى يستدعى سيلا من الأسئلة الحائرة التى تنصب على حقيقة الرؤية المصرية وحساباتها الاستراتيجية. إذ بوسعنا أن نجد نماذج لذلك التناقض بين التصريحات الرسمية التى تتحدث عن العلاقات الاستراتيجية الوثيقة مع الولايات المتحدة. فى الوقت الذى يتحدث فيه الإعلام المصرى الموجه أمنيا عن التآمر الأمريكى على النظام المصرى القائم. نجده أيضا فى الحديث عن مركزية القضية الفلسطينية فى السياسة المصرية، مع استمرار حصار مصر لقطاع غزة. كما نجده فى العلاقة مع إسرائيل التى لم يعد كثيرون من الأجيال الجديدة يعرفون ما إذا كانت عدوا أم صديقا، لأن ما هو مستقر فى الذاكرة والوجدان المصريين يتناقض بصورة حادة مع العلاقات الدافئة مع إسرائيل التى باتت صحفنا فى مصر تتحدث عن مظاهرها وتفصيلاتها. حينا بعد حين. نجده أيضا فى تمجيد جمال عبدالناصر فى الخطاب السياسى، ثم الغلو فى السير على نهج السادات ومبارك فى الواقع المعاش. وهو ذاته السلوك الذى تتعدد مظاهره فى السياسة الداخلية. فبيان قيادة القوات المسلحة فى الثالث من يوليو ٢٠١٣ أعلن عن خارطة طريق دعت إلى تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية، ولكن السياسات المتبعة كرست الاستقطاب والإقصاء. ودستور ٢٠١٤ دعا إلى مدنية الدولة ولكننا صرنا نعيش فى ظل عسكرة الاقتصاد والنظام وقهر منظمات المجتمع المدنى. والدستور نص على حماية حرية التعبير والتظاهر السلمى فى حين أن قانون التظاهر جرم ممارسة ذلك الحق، وفى الوقت الذى تنفى فيه الداخلية وجود الاختفاء القسرى فإن المنظمات الحقوقية تشهد كل حين قوائم بأسماء المختفين قسريا. وحين قيل لنا إن القوات المسلحة قادرة على تأمين البلاد خلال ٦ ساعات فإننا استغربنا أن يستمر القلق والاضطراب فى سيناء لأكثر من سنتين. أما التناقض فى السياسات الاقتصادية فحدث فيه ولا حرج. فالإجراءات التى يقال إنها لن تمس الفقراء ومحدودى الدخل لم تضرب إلا هذين القطاعين. ووعود الرخاء التى جرى تسويقها قبل عامين أصبحت كابوسا يؤرق الجميع فى الوقت الراهن. وحين أعلن شعار الحرب على الفساد فإن الذى حوكم وعوقب كان رئيس الجهاز المنوط به محاربة الفساد...إلخ.

هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إن ثمة مشكلة ليس فقط فى الشفافية والوضوح، ولكنها كامنة فى صلب الرؤية المصرية، التى تحول ما هو تاكتيكى فيها إلى استراتيجى. وذلك هو التفسير الأرجح لتقلب المواقف بين الشىء ونقيضه. الأمر الذى ينبهنا إلى أهمية فتح ملف «الثوابت» والدعوة إلى الاتفاق عليها من جديد.

إن المرونة مطلوبة لا ريب، ولكنها تفقد معناها إذا أفضت إلى خلل فى الرؤية وأدت إلى اعتماد نهجين أو خيارين متناقضين فى وقت واحد لأن الأمر فى هذه الحالة يخرج عن السياسة ويدخل فى نطاق آخر يعف لسانى عن ذكره.
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.