أسئلة غولدا مائير الجريئة كشفت عدم استعداد إسرائيل لحرب 73 - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 8:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة غولدا مائير الجريئة كشفت عدم استعداد إسرائيل لحرب 73

نشر فى : الأحد 11 أكتوبر 2020 - 8:30 م | آخر تحديث : الأحد 11 أكتوبر 2020 - 8:30 م

نشر مركز بيجن ــ السادات للدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب حنان شاى، المحاضر فى الفكر الاستراتيجى والسياسى والعسكرى فى قسم العلوم السياسية فى جامعة بار إيلان، أوضح فيه أنه على الرغم من أن غولدا مائير تفتقر إلى المعرفة العسكرية، إلا أن أسئلتها خلال المناقشات الحكومية عشية حرب يوم الغفران (حرب 1973) كشفت حقيقة أن الردع والإنذار المبكر، وهما حجر الزاوية لمفهوم الأمن الإسرائيلى، لم يتم تناولهما بشكل كاف وإذا كان ضباط الجيش الإسرائيلى استجابوا لأسئلتها، لكان من الممكن أن تسير الحرب بشكل مختلف تمامًا وربما تم تجنبها.. نعرض منه ما يلى.

عشية حرب يوم الغفران عام 1973، كان الجيش الإسرائيلى مؤمنا بمفهومين.. كلاهما استندا إلى تقييمات استخباراتية. الأول، هو أن مصر لن تشن حربًا إلى أن يكون لديها طائرات حربية بعيدة المدى تمكنها من مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبالنسبة لسوريا فهى لن تخوض الحرب بدون مصر. والثانى هو أن الجيش الإسرائيلى ردع مصر وسوريا، وبالتالى «لن تشنا حربًا وإن وقعت فلن تكون حربًا كبيرة»، هذا ما أكدته المخابرات العسكرية فى وقت متأخر من 5 أكتوبر 1973، أى قبل يوم من اندلاع الحرب.
كانت بذور فكرة الردع قد زرعت فى عام 1971، لكن تم التأكد من نجاح الردع فى أبريل 1973 عندما أثبت تقييم استخباراتى بأن مصر وسوريا لن تخوضا حربًا. ولم يكن أحد يعلم فى ذلك الوقت أن الحرب التى كان البلدان ينويان شنها قد أحبطتها الضغوط السوفيتية، وليس الخوف من الجيش الإسرائيلى.
واستنادا إلى أحداث أبريل التى أثبتت هذين المفهومين، ادعت المخابرات العسكرية الإسرائيلية فى سبتمبر 1973 أن الإنذارات المتكررة بوقوع حرب وشيكة كانت كاذبة. ففى نقاش جرى فى 1 أكتوبر، قال ضباط المخابرات إن «السوريين يتخذون موقف [الطوارئ] بسبب مخاوف من قواتنا... وليس [بسبب] خطط هجومية». وفى 5 أكتوبر، قبل يوم واحد من اندلاع الحرب، زعمت المخابرات أن «المصريين... قلقون جدا» و«لا يوجد لدى المصريين ولا السوريين أى تفاؤل بشأن نجاحات محتملة [إذا كانوا سيبدأون الحرب]».
التقييمات الاستخباراتية التى تفيد بأن العدو (مصر وسوريا) قد تم ردعه، وبالتالى لن يشرع فى الحرب، تم قبولها ليس فقط من قبل رئيس الأركان ولكن أيضًا من قبل حكومة مائير؛ أمثال وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق موشيه ديان، ونائب رئيس الوزراء ووزير التعليم، إيغال ألون، الذى كان قائدا لقوة البلماخ وجنرالًا بارزًا فى حرب الاستقلال، بجانب وزير الصناعة والتجارة حاييم بارليف الذى كان أيضا رئيس هيئة الأركان، ووزير المواصلات والاتصالات شيمون بيريز الذى شغل منصب مدير عام وزارة الدفاع لسنوات عديدة. وأخيرا غاليلى، الذى كان فى الفترة التى سبقت حرب الاستقلال القائد السياسى للهاغانا.
***
وعلى الرغم من قلة خبرتها فى الشئون العسكرية والأمنية، يبدو أن رئيسة الوزراء مائير لم تضع ثقتها فى فرع المخابرات وما كان مؤمنا به بشأن مخاوف العرب من الجيش الإسرائيلى. وخلال مناقشات مجلس الوزراء، طرحت عدة أسئلة حول تلك المخاوف المزعومة:
كان سؤالها الأول، ما هى العوامل التى جعلت العرب يخافون الجيش الإسرائيلي؟ وردت المخابرات أن «العرب قلقون دائما» وأن «التأهب نابع من خوفهم منا» بعد أن أسقطت إسرائيل 13 طائرة سورية فى سبتمبر 1973.
ثم تساءلت مائير عن احتمالية أن «يُبقى المصريون الإسرائيليين مشغولين قليلا ريثما يقوم السوريون بشيء ما فى الجولان». كان رد فرع المخابرات (وليس رئيس الأركان) على هذا السؤال هو أن «الأسد يعرف حدوده، لأنهم يدركون التفوق الاستراتيجى لإسرائيل». إذن، فى إجابتها (المخابرات) على أسئلة مائير، لم تضف المخابرات أية حقائق تثبت أن العرب قلقون.
كانت مائير على دراية بحقيقة أنه بينما تم نشر الجيشين المصرى والسورى على حدود إسرائيل بكامل قوتهما، لم ينشر الجيش الإسرائيلى سوى القوات الضعيفة. ومن هنا ركز سؤالها الثالث على الهامش الزمنى الذى يمكن أن يوفره الإنذار المبكر فى حال تحرك الجيش المصرى. وردت المخابرات بأن التحذير على تلك الجبهة لن يكون تكتيكيًا فحسب، بل عمليًا أيضًا ــ أى تحذير لعدة أيام. كان هذا تكرارًا لما قاله رئيس المخابرات العسكرية فى مايو: «لا أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك عبور مفاجئ لقناة [السويس]…».
كذلك كانت مائير على دراية بالتحذير المسبق الذى طُلب من المخابرات تقديمه قبل عام 1967، والذى استلزم تحديد خروج القوات المصرية ــ فى أقرب وقت ــ من معسكراتها غرب القناة باتجاه الحدود الإسرائيلية، التى كانت على بعد 300 كيلومتر. وقد مكنت تلك المسافة قوات الاحتياط التابعة للجيش الإسرائيلى، والتى كانت تقع على بعد 100 كيلومتر من الحدود (بين الخضيرة وجديرة)، من التحرك بسرعة، والوصول بسرعة، والاستيلاء على أجزاء من سيناء قبل أن يتم الاستيلاء عليها من قبل الجيش المصرى، وبالتالى الدفاع عن إسرائيل بعيدا عن حدودها.
يبدو أن رئيسة الوزراء أدركت أن التقارب بين الجيش الإسرائيلى وأعدائه بعد عام 1967 قد محى الهوامش الزمنية ــ بعد التحذير ــ الذى تمتعت به إسرائيل من قبل. وهكذا، وردا على الثقة العالية التى عبرت عنها المخابرات فيما يتعلق بالإنذار المبكر على الجبهة المصرية، طرحت السؤال الرابع الذى لا مفر منه: «كيف سنعرف عندما نعلم؟» بمعنى، كيف يمكن للمخابرات أن تقدم تحذيرًا دون الهامش الزمنى اللازم لمثل هذا التحذير؟.
من هنا، تعرّضت الحكومة الإسرائيلية لحقيقة أن عنصرًا أساسيًا آخر لمفهوم الأمن الإسرائيلي ــ الحصول على تحذير استخباراتى مبكر بما يكفى لتعبئة الاحتياطيات ونقلها إلى الحدود (مسافة حوالى 400 كيلومتر) ــ لم تتم معالجته.
***
كان من المفترض أن يكون هذا الاكتشاف قد صدم حكومة بها العديد من المسئولين المعروفين بالخبرة العسكرية والأمنية، وأن يضع حدا للنقاش غير المجدى، الذى استند إلى التقييم الاستخباراتى حول خوف العدو وقلقه. كان يجب على رئيس الأركان أن يبدأ نقاشا ميدانيا حول كيفية تحضير الجيش الإسرائيلى لاحتواء هجوم مفاجئ محتمل (مثل الذى حدث بالفعل) لساعات عديدة وحتى أيام.
إذا تم إجراء مثل هذه المناقشة، فمن المفترض أن تنتهى بتوجيه من المستوى السياسى إلى جيش الدفاع الإسرائيلى لسحب الجنود على طول خط بارليف فور تنفيذ مهمتهم (التحذير من اندلاع الحرب)، لأنه كان من شأن إبقائهم فى الخطوط الأمامية أن يحولهم إلى عبء تشغيلى وينطوى على احتمال حدوث صدمة وطنية ــ وهذا ما حدث بالفعل.
أسئلة مائير الجريئة خلال مناقشات مجلس الوزراء قبل الحرب لم تغير شيئا. والدليل هو أنه عشية يوم الغفران، أصدرت المخابرات تقييمها الأخير: «لم يحدث تغيير فى تقييم المصريين لتوازن القوى بينهم وبين الجيش الإسرائيلى. لذلك فإن احتمال تجديد المصريين القتال ضعيف».
ختاما، عُرفت غولدا مائير بأنها زعيمة عنيدة، ويبدو أن التفسير الوحيد لموافقتها على عدم الاستعداد الذى كشفته أسئلتها (لا سيما عدم وجود هامش تحذير مبكر من شأنه أن يمكّن من تعبئة الاحتياطيات) كان توقعها بأن جواسيس إسرائيل الذين تم تجنيدهم داخل الحكومة والجيش المصريين من شأنه أن يوفر مثل هذا التحذير. كانت تعتمد أيضًا على ديان، الذى كان، حتى اندلاع حرب 1973، وزير دفاع ذا مكانة أسطورية. حيث أكد ديان أن المصريين كانوا يعلمون أنهم إذا عبروا القناة «سيجدون أنفسهم فى وضع لا يحسدون عليه... [لأن] هناك العديد من الصعوبات فى عبور القناة، وبعد ذلك يتعين عليهم اجتياز مسافة لا نهاية لها. وسوف نصل إليهم من جميع الجهات».
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:
https://bit.ly/2GIXvBE

التعليقات