فى الطريق.. إلى الصناديق - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الطريق.. إلى الصناديق

نشر فى : الأحد 12 يناير 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يناير 2014 - 2:11 م

ما كان أحدٌ بالتأكيد يتمنى أن يكتب المصريون «الذين أبهروا العالم بوحدتهم فى يناير» دستورهم فى أجواء استقطاب وقلق مثل تلك التى نعيشها الآن. كما لم يكن يتمنى أحدٌ بالتأكيد أن يذهب المصريون «دون فريق منهم» إلى صناديق الاقتراع. أو أن يحتاج الأمر إلى هذه الترسانة المسلحة لتأمين حقهم فى أن يقولوا رأيهم. أو بالأحرى حقهم المطلق فى أن «يغيروا رأيهم» الذى عبروا عنه قبل ذلك عند صناديق الاقتراع ذاتها. إلا أن هذا للأسف ما كان، بعد أن أضاع من أضاع اللحظة العبقرية لوحدة شعب كنا رأيناها تجسدت فى ميدان الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، وبعد أن رفض من رفض العودة للشعب «ليستفتيه»، حقنًا للدماء: «إذا كان مازال راغبا فى أن يظل على الطريق ذاته أم لا؟». وبعد أن قرر من قرر الاستمرار انتحارًا فى معركته «الصفرية» العبثية، المفتقدة «لواقعية» الهدف، وغير المدركة لحجم ما تغير على الأرض. والتى تمنح «المبرر» قويًا، يوما بعد يوم لأولئك الذين يحاولون العودة بفسادهم وهراوتهم الغليظة. وبعد أن اختار من اختار الاستمرار معاندًا للناصحين، معاديًا أو مستعديًا «ومتعاليًا» على الجميع، ودافعًا للثمن أيضًا من دماء بسطائه وتاريخه الطويل. بدلا من انتقال «مبكر» حكيم واقعى «متواضع» إلى مربع الآخر لمساعدته فى الحيلولة دون عودة «نظام» خرج الناس يطالبون بإسقاطه فى هذا اليوم «المفترى عليه».. الخامس والعشرين من يناير.

هذه على أية حال شأن «المخاضات الصعبة» لمراحل التحول الكبرى فى التاريخ.

•••

على الطريق إلى صناديق الاقتراع التى يذهب إليها المصريون للمرة الخامسة بعد يناير، هناك عدد من الملاحظات الجديرة ربما بأن نأخذها فى الاعتبار.

1- أن الناس فى واقع الأمر لن يذهبوا (كما أنهم لم يذهبوا أيضا فى المرة السابقة) للتصويت على الدستور، نصوصًا ومواد وأحكاما. ففى أجواء «ثنائية الاستقطاب» المتطرفة المريضة التى ضربت العقل الجمعى للأمة منذ جعل البعض من تجربة الاقتراع الديموقراطية الأولى (مارس ٢٠١١) غزوة للصناديق، ثم استوحشت، إعلاميا وسياسيا يوما بعد يوم لتصل ذروتها فيما نراه من مشاجرات «مكارثية» يومية على محطات المترو ومحطات التلفزيون ــ لا فرق، «تتشخصن» السياسات والمواقف بل والنصوص. ولا يذهب الناس، والحال هكذا للتصويت إبداءً للرأى فى نصوص أو مواد، بل لإبداء الرأى مع أو ضد «هذا أو ذاك». هذا ما جرى فى ١٥ ديسمبر ٢٠١٢، يوم ذهب الناس للتصويت على ما سُمى «بدستور الإخوان». وهذا ما سيكون عليه الحال أيضًا هذه المرة. الحقيقة المجردة من الناحية السياسية، أن هذا ليس استفتاءً على نصوص الدستور ومواده، تتفق معها أو تختلف، بل على الموقف من حكم الإخوان وخارطة الطريق، لا أكثر ولا أقل.

2- أن التجاوزات الأمنية الفجة لحقوق الإنسان، ومحاولات التشويه المتواصلة والمتدنية لما جرى فى ٢٥ يناير ومن شاركوا فيها، فضلا عن فجاجة الإعلانات التى تحاول «سَوق» الناس إلى التصويت بنعم، والمشاركة بلا حياء لمن يحاولون إعادة نظام مبارك فى تلك «الحملات التسويقية» هى التى ستلعب الدور الأكبر «سلبيًا» فيما سيكون من نتيجة لهذا الاستفتاء، سواء من ناحية نسب المشاركة أو الموافقة.

3- أننا بعد الخامس والعشرين من يناير عايشنا تجربتين / محاولتين دستوريتين. الأولى استأثرت، وراوغت، وتعالت، ثم أضمرت فى النصوص وفى ثنايا الكلم ما لم تفصح عنه أبدا، والثانية حكمتها ظروف «استثنائية» أدت، أو سمحت بما لم نكن نتمنى، مما بدا فى غير موضع من نصٍ يذهب الناس إلى التصويت عليه بعد يومين. ومعنى ذلك بوضوح أن «دستور ٢٥ يناير» الذى يليق بمصر جديدة فى عصر جديد وعالم جديد، تحكمه حقائق جديدة لم يُكتب بعد.

4- أن هذا الدستور، وإن أغفلت أحكامه الإشارة إلى ذلك هو بحكم الواقع «دستور انتقالى مؤقت»، وعلى الجميع أن يدرك ذلك. سواء الذاهبون إلى لجان الاقتراع، رافضين بعضًا من مواده، أو أولئك المتوهمون أن دعوتهم إلى إقراره، تزلفًا أو انتقامًا تعود بهم إلى واجهة المشهد. ويا ليتنا كنا قد اعتمدنا، ما دعونا اليه فى حينه من أن يجرى الاقتصار على دستور مصغر «مؤقت» لا يضم غير المواد التى تكون محلا لاتفاق الجميع، وتُحذف منه كل المواد الخلافية أيا كانت. ويُنص فى ديباجته بوضوح على أن هذا «ما اتفق عليه» المصريون، ثم يحدد فى أحكامه الانتقالية تاريخا للعودة لبحث أمر «دستور دائم»، بعد سنوات تكون فيها النفوس قد هدأت، والمناخ أصبح أكثر ملاءمة لحوار حقيقى هادئ وناضج ومتزن، لا تحكمه هواجس «اللحظة الآنية»، ولا المواقف «المسبقة» من الآخر. ولا محاولة إرضاء هذا الفصيل أو تلك المؤسسة. حتى لا يوصف فى التاريخ بدستور «رد الفعل».

5- أن أى أرقام تأتى بها الصناديق، ستصبح مرهونة فى نهاية المطاف بما يتحقق على الأرض، ويشعر به الناس فى معيشتهم اليومية. ويخطئ من يعتقد أن جيلا جديدا «متصلا بالعالم» سيتنازل، وإن بدا غير ذلك عن شعاره «الينايرى» الأثير: «الشعب يريد إسقاط النظام»

6- أن الدستور ليس ولا ينبغى أن يكون مجرد نصوص نتناقش أو نتعارك حول صياغتها كلمة هنا أو حرفا هناك. ثم نزايد عليها بحملات تراهن على طيبة الناس وبساطتهم، سواء بدعوتهم إلى المقاطعة أو التصويت بنعم. فلا قيمة لنصوص أيا كانت إن لم يجدها الناس «تعيش فى حياتهم» ويكفى هنا مقارنة الواقع حولنا بنصوص المواد من ٥١ إلى ٦٤ من الوثيقة الدستورية الجديدة. ومنها ما ينص على أن «للحياة الخاصة حرمة.. وأن للمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة... الخ» (مادة ٥٧).

•••

وبعد..

فالخلاصة، وبغض النظر عن عوار ربما لَحق نصوصًا جاءت بها النسخة المعدلة لدستور ٢٠١٢ التى سنذهب للتصويت عليها. (نسخة ٢٠١٢ ذاتها لم تكن بالأفضل على أية حال). إلا أنه على الجميع، من الناحية السياسية والواقعية أن يقرأ النتائج، أيًا ما كانت، ليس بأن بها قد «رُفعت الأقلام.. وجفت الصحف». فما نحن بصدده واقعيا ليس استفتاءً على نصوص، بل تصديقا عبر صناديق الاقتراع على مغزى ما جرى فى الثلاثين من يونيو. هو باختصار اختيار مابين العودة «التى لم تعد واقعية أو عملية» إلى حكم الإخوان. أو مواصلة النضال الحقيقى «والصعب» ضد محاولات العودة بنا إلى نظام قمعى فاسد مستبد ثار عليه الناس فى الخامس والعشرين من يناير. بما فى ذلك كتابة «دستور طبيعى» فى أجواء هادئة طبيعية يصلح بحق أن يكون دستورا لمستقبل لسنا واقعيا أصحابه، بل هذا الجيل الجديد الذى خرج بنا قبل أعوام ثلاثة يهز أسس نظام كان قد شاخ فى مقاعده. جيلٌ كنا صادقين، مهما حاولنا إنكارًا يوم غنينا له:

«فجأة هز الدنيا صوتكو..

والحياة رجعت بموتكو..

والسنة اتسمت يناير..

شيلتو عن عيننا الستاير..

واحنا ليكم مديونين».

ـــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة:

دستور ٢٠١٢

الإعلان الدستوري (٦ يوليو ٢٠١٣)

الوثيقة الدستورية الجديدة (بعد تعديل دستور٢٠١٢ المعطل)

في التفكير خارج الصندوق

أنغام: يناير

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات