نصف ساعة فى إشارة الطالبية - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الإثنين 11 أغسطس 2025 12:13 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

نصف ساعة فى إشارة الطالبية

نشر فى : الجمعة 12 يونيو 2015 - 9:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 يونيو 2015 - 9:10 ص

قبل أسابيع قليلة كنت أقف فى إشارة الطالبية بشارع فيصل منتظرا الصديقين إبراهيم المنيسى الناقد الرياضى فى أخبار اليوم ورئيس تحرير مجلة الأهلى، وسيد النشار مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط لزيارة أحد بلدياتنا الأسايطة.

تأخر الصديقان بسبب الزحام المرورى المعهود.

فى هذا المكان فرشة بيع جرايد معتبرة وقديمة وتبيع أيضا كتبا حديثة متنوعة، اشتريت جزأين من كتاب الرسام والناقد التشكيلى الكبير مختار العطار عن الرسامين المصريين وانتحيت جانبا وبدأت أقرأ لكن ضوضاء المكان الكارثية جعلتنى أتوقف فورا.

فى هذه اللحظة بدأت أدرك أن هذا المكان هو قطعة مصغرة من مصر بكل عيوبها التى نشكو منها والقليل جدا من الإيجابيات.

لست غريبا عن المنطقة فقد عشت متنقلا بين أكثر من مكان فى شارع فيصل وتفرعاته من عام ١٩٩٢ وحتى أكرمنى الله وخرجت من المنطقة بأكملها إلى السيدة زينب عام ٢٠٠٩.

خلف فرشة الصحف والكتب ناحية كفر طهرمس هناك المكان المخصص لمعرض فيصل للكتاب وفى الأمام ناحية مساكن منتصر نادى الطالبية الرياضى الذى كان يجمع ذات يوم العديد من الذين صاروا نجوما فى عالم الصحافة والرياضة والقضاء.

بجوار «فرشة الجرايد» هناك الموقف الأساسى للتوكتوك. إذا أردت أن تعذب شخصا فعليك أن تتركه لمدة عشر دقائق فى هذا المكان. هو أسوأ من السير فى ميدان رمسيس الساعة الثالثة يوم الخميس عندما كان هناك باعة جائلون، وأسوأ بكثير من انتظار المترو فى محطة الشهداء للتبديل بين الخطوط عصرا فى ظل إغلاق محطة التحرير.

فى موقف التوكتوك تسمع أحط الألفاظ والشتائم. والخناقات بين السائقين على الدور وخطف الزبائن لا تتوقف، وليس غريبا أن تجد سائقين صديقين وفجأة يتشاجران بالمطاوى لأتفه الأسباب.

إشارة الطالبية واحدة من المحطات المحورية فى شارع فيصل. الزحام فيها رهيب خصوصا للمتجهين يمينا ناحية الملكة وكفر طهرمس. بطبيعة الحال فإن معظم سائقى سيارات الأجرة الفولكس البيضاء ــ المربوط بابها بدوبارة فى الدركسيون ــ كانوا أشر خلق الله إلى أن شاهدنا سائقى التوكتوك.

سائقو الميكروباص لا يلتزمون بأى قانون ويتوقفون فى أى مكان لتحميل أو تنزيل الركاب، ورغم هذا فمن النادر أن ترى شرطى مرور فى هذه المنطقة، وعرفت أن أحد المواطنين يتطوع صباحا لتنظيم أو تسليك المرور.

قال لى صديق إن صبية صغارا يبيعون معظم أنواع المخدرات بصورة شبه علنية فى هذا المكان، ووصلوا إلى درجة من الجرأة يحسدون عليها.

فى هذا المربع الصغير يوجد فرع مهم لمطاحن شركة شمال الصعيد للمطاحن، ونول للغزل ومقر شركة الصرف الصحى ومسجد صغير.

السمة الرئيسية للمكان هى المقاهى الكثيرة التى يواصل روادها السهر حتى الصباح فى نسف كامل لأى إحساس بقيمة العمل والإنتاج.

فى هذا المكان انتظرت لنحو نصف ساعة وتذكرت على الفور الكتاب البديع للصديق حمدى عبدالرحيم «فيصل ــ التحرير.. ايام الديسك والميكروباص»، الذى تقمص فيه دور طبيب وقام بتشريح دولة الميكروباص فى شارع فيصل.

تركت الشارع وأنا أكثر يقينا أنه لا أمل فى أى مستقبل لفيصل والهرم وكل مصر إذا استمرت سلوكيات إشارة الطالبية وإذا لم نستطع أن نعيد الاعتبار للأخلاق والقيم ودولة القانون والمساواة بين الجميع.

هذه السلوكيات لم تعد مقصورة على الطالبية، هى موجودة تقريبا بتفاصيل مكررة أو حتى مختلفة فى العديد من شوارع القاهرة والمحافظات. هى سلوكيات صارت أقرب إلى القانون والدستور الفعلى والمعيش فى غالبية الشوراع المصرية. القوى يلتهم الضعيف والبلطجى يهاجم المحترم والأعلى صوتا والأكثر بذاءة يكسب. أما الكارثة الكبرى فهى أن هذا السلوك لم يعد مقصورا على الشوراع المنفلتة بل وصل إلى بعض الهيئات والمؤسسات ووسائل الإعلام.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي