كيف تضاءلت أحلام المصريين؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف تضاءلت أحلام المصريين؟

نشر فى : الجمعة 12 سبتمبر 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 سبتمبر 2014 - 8:00 ص

فى 11 فبراير 2011 كان المصريون يحتفلون ويرقصون فى الشوارع فرحا بتنحى الديكتاتور مبارك وانبعثت طاقة من الأمل وتفجرت الأحلام بين كل فئات الشعب الذين شعروا أن سقوط مبارك يعنى الانطلاق للمستقبل وأن الزمان لن يعود للوراء وأن كل ما هو قادم سيكون أفضل مما مضى، انطلق الشباب ينظفون الشوارع ويدهنون الأرصفة فى رمزية باستعادة الانتماء للوطن، وتعددت المبادرات التنموية والمشاريع الطموحة التى عبرت عن أحلام هؤلاء وكل هذه المشاريع كانت تحمل مرادفات المستقبل مثل مصر 2020 ومصر 2030 وغيرها من مشاريع وأحلام كان المستقبل هو محورها، عاد آلاف الباحثين والعلماء والمغتربين يحدوهم الأمل فى إفادة بلادهم مما تعلموه، شعروا بأن الوطن قد يفتح ذراعيه ليحتضن أبناءه ويبدأ مرحلة جديدة ترتقى فيها مصر للمكانة التى تستحقها بين الدول.

•••

كل مصرى تقابله فى الشارع يحكى لك عن حلم ويخبرك عن فكرة مشروع يرجو أن تتبناها الدولة ويطلب منك إيصالها للمسئولين بدءا من عامل النظافة وماسح الأحذية وصولا لأستاذ الجامعة وضباط الشرطة أنفسهم الذين حلم كثير منهم بمنظومة أمنية جديدة تليق بمصر، كانت الأرض حبلى بأحلام كبار تنتظر من يجعلها واقعا نعيشه، لم تكن الناس تشكو رغم عدم استقرار الظروف حينها بل كانت العبارة الأكثر انتشارا (مصر خلاص فاقت ومش هترجع تانى).

كانت النقاشات السياسية والاجتماعية المحتدمة تدور فى مناخ حر ومفتوح دون أى قيود، كان الكل يطالب بالحلول المثالية وينكر على من يطلبون خفض سقف الأحلام ويقول امال إحنا عملنا ثورة ليه؟، مش عشان نحلم ونحقق الأحلام؟ ومرت ثلاث سنوات لتتضاءل الأحلام.

•••

طلاب 2011 يرفعون لافتات وينظمون مسيرات عن قضايا الدستور والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وإصلاح مؤسسات الدولة وتحقيق القصاص للشهداء بينما طلاب 2014 يرفعون لافتات وصور زملائهم المعتقلين ولا يستطيعون التظاهر حتى لا يلحقوا بمن اعتقلوا. ومن تكوين مئات الأسر الطلابية الجديدة المختلفة الاتجاهات إلى منع تكوين الأسر الطلابية وتكميم أفواه الطلاب تحت دعوى محاربة الإرهاب.

جماهير 2011 تكون لجانا ومبادرات وروابط شعبية لتفعيل الرقابة الشعبية على مؤسسات الدولة وضمان تحسين مستوى الخدمات، بينما جماهير 2014 منتهى أحلامها أن تخبرها الحكومة بمواعيد قطع الكهرباء والمطالبة بإعادة المياه المقطوعة حتى لو لساعة واحدة وأصبحت أكثر لحظات الفرحة التى تتمناها هى لحظة عودة الكهرباء لاستئناف الحياة وصارت العبارة الأكثر تداولا (الحق اعمل كذا قبل الكهربا ما تقطع).

السياسيون فى 2011 معاركهم حول مدنية الدولة وضبط العلاقات المدنية العسكرية وفصل الدين عن السياسة ويفرضون على المجلس العسكرى النظام الانتخابى الذى يناسبهم بينما السياسيون فى 2014 يتسولون من السلطة أن تسمع لمقترحاتهم حول قانون الانتخابات، معركة الدستور كانت حول مواد الحريات ثم أصبحت الآن حول تطبيق الدستور نفسه وانتهاك السلطة لمواده، الاختلاف حول طريقة التعامل مع المظاهرات كان نقاشا مستمرا ثم تحول النقاش حول حق التظاهر نفسه بعد أن قامت السلطة بتأميمه بقانون معيب ألقى فى السجون خيرة شباب الوطن.

الإعلاميون فى 2011 لا سقف لهم وتشكو السلطة وحكوماتها من تربصهم بها ويقول الإعلاميون هذا دورنا لصالح الشعب بينما الإعلام فى 2014 يقدم فروض السمع والطاعة للسلطة ولا يتحدث إلا فيما تحبه السلطة ومع ذلك ترى السلطة أنه ليس كافيا وأن إحساس الإعلاميين بالمسئولية الوطنية غير كاف.

رجال الدين فى 2011 يستنكرون خلط الدين بالسياسة ويستشهد الشيخ عماد عفت فى ميدان التحرير بينما فى 2014 يخرج منهم من يصف رأس السلطة بالنبى والمخلص والفاروق عمر ويفتى بأن التظاهر حرام شرعا ومعارضة السلطة خيانة لله ورسوله.

الشباب فى 2011 يطلبون التمكين السياسى والاندماج فى منظومة إدارة الدولة لتحقيق رؤاهم وأحلامهم والدولة تعرض على بعضهم مناصب وتنشغل بقضية التمكين بينما الشباب فى 2014 تقول السلطة لهم لا وقت لدينا لنجربكم وبدلا من النقاش حول تمكين الشباب صار النقاش حول إخراجهم من المعتقلات والتوقف عن تخوينهم وتشويههم واغتيالهم معنويا.

المجتمع المدنى فى 2011 تحدث به طفرة كبرى فى تأسيس جمعيات ومؤسسات جديدة تخدم المجتمع وتسد فجوات الحكومة التنموية ويصر العاملون به على إصدار قانون يضمن حرية التنظيم والاستقلال عن السلطة الإدارية بينما المجتمع المدنى فى 2014 يتعرض لحملة تشويه ومطاردات وتضييق متواصل وغلق جمعيات ومحاولات تأميم وإخضاع الباقين.

المثقفون فى 2011 يشكلون لجانا للدفاع عن حرية الابداع ــ التى لم يمسها أحد حينها ــ بينما المثقفون والمبدعون فى 2014 يتابعون وقف برامج ترفيهية ومنع عرض فيلم سينمائى وإجهاض إنتاج مسلسل (أهل إسكندرية) ومنع فعاليات (الفن ميدان) التى تغنى بالشارع لتبهج الناس، يتابعون ذلك بصمت واستسلام يدعو للتعجب حول مدى إيمانهم الحقيقى بحرية الرأى والتعبير.

•••

سقف تفاوض المجتمع مع السلطة ينخفض يوما بعد يوم والأحلام تُجهض يوما بعد يوم والاحتقان الصامت يزيد يوما بعد يوم والجيل الذى تنفس الحرية لا يستطيع أن يتنفس القهر، والمبررات التى يرددها المبررون لا تقنع طفلا، هناك عالم موازٍ يعيش فيه ملايين الساخطين، احذروا اليائسين فليس لديهم ما يخسرونه وكلما زرعت اليأس كلما أوقدت نارا للثورة.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات