فقه العلاقات الدولية (9) الحرب وضروراتها - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية (9) الحرب وضروراتها

نشر فى : الجمعة 12 أكتوبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 أكتوبر 2012 - 8:45 ص

اختصار للقول نحدد تلك المبادئ التى صاغها الإسلام كمرآة صافية تعكس تصوره ورؤيته للكون وسكانه، وذلك فى نقاط سريعة كجزء من مشروع قانون الحرب وآدابها الذى نعده:

 

فالكون كله وحدة واحدة ملك خالص للإله الخالق، فلا يحق لأحد أن يُخرب هذا الكون، أو يفسد شيئا من مكوناته (...وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (18) المائدة

 

سكان هذا الكون فئتان لا ثالث لهما، أولى هاتين الفئتين هى فئة المسخرات وسائر المخلوقات بما فيها الأرض والسماوات، وكل تلك المسخرات مخلوقة لمنفعة ومصلحة جميع البشر، أما الفئة الثانية هم جميع البشر الذين يُشكلون أسرة إنسانية واحدة لأب وأم. قال تعالى (...خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء...) (1) النساء.

 

أعضاء هذه الأسرة البشرية جميعهم وبكل أطيافهم أحرار موفورو الكرامة لا فضل لأحد على أحد إلا بمقدار عطائه للآخرين وحفاظه على أمنهم وسلامتهم وكرامتهم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (70) الإسراء.

 

أبرز عامل من عوامل تكريم الإنسان هو التزامه بـ«الإعمار» مطلق «الإعمار» أى الإنتاج النافع بلا ضرر، فاشتغال الإنسان بالإعمار إغناء لنفسه وإصلاح لغيره وتأمين للكون من الخراب والزوال (...هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...) (61) هود.

 

الإعمار بمعناه الشامل هو «الخير المطلق» ذلك الخير الذى ليست له آثار جانبية ضارة فيكون خيرا لفاعله، وخيرا لجميع البشر (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) آل عمران.

 

ضوابط الخير العام الذى يدعو الإسلام له هى (...وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...) (104) آل عمران.

 

والمعروف هو كل ما يصلح ويكمل ويتمم سعادة البشرية بحياتها، هذا هو ما تتعارف العقول عليه فيسمى معروفا مشهورا لا يختلف الناس على جدواه وصلاحيته.

 

والنهى عن المنكر يعنى تكاتف الناس ووحدتهم فى منع الشرور، وإزالة أسباب التوتر، وتصفية دواعى الصراع(...وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) آل عمران.

 

واتساع رقعة الكون، وتزاحم سكانه يفرض تعدد مصالح الفرد وتنوع الإرادات مما يغرى بحقه فى الاندفاع لتلبية رغباته ومصالحه فيهدد التعايش السلمى، ويقذف العالم إلى حافة الحرب، لذلك لابد من آلية محددة تضمن عدم تصاعد الخلاف إلى صراع وحرب وقتال.

 

قدم الإسلام فكرة «العقود» كفكرة مركزية» ينطوى تحتها: الاتفاقيات والمنظمات، والتحالفات، والتحكيم...إلخ. لذلك يفرض الإسلام مبدأ التعاقد ويفرض ضرورة الالتزام بما تم الاتفاق عليه قال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا...) (91) النحل. وأيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ...) (1) المائدة.

 

وحماية للعقود فقد فرض الإسلام «إقامة التحكيم» والسعى إليه، والرضا والانصياع لما يصدر عنه، وجعل للقضاء حق منع التجاوز وفرض السلم ومعاقبة المعتدى (...فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) (9) الحجرات.

 

هكذا نرى أن الحرب بأنواعها حتى أعلى درجة فيها وهى «الحرب القتالية» ضرورة عقلية وفطرية وشرعية لمنع العدوان وإيقافه إذا وقع.

 

والدفاع عن النفس ــ كما هو ثابت ــ مبدأ فطرى (وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (190) البقرة، وأيضا (...فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...) (194) البقرة.

 

 لذلك لابد لمن يريد أن يفهم الإسلام وشريعته أن يميز تمييزا واضحا بين مفاهيم متعددة يختلف كل منها عن الآخر.

 

من هذه المفاهيم «الجهاد»، «الحرب»، و«القتال»، و«العدوان»، و«القوة»، و«القوة الحربية» حتى لا يتورط الباحث فى الخلط بين مفاهيم مختلفة فيتصور ما لم يأذن به الله، وما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

لذلك فإذا أقر الإسلام ضرورة الحرب، فقد أقرها «ضرورة تقدر بقدرها» وجعل لها قانونا مفروضا يلتزم به المسلم إذا اضطرته الظروف للدفاع ورد العدوان.

 

..يتبع.

 

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات