لن أكتب ما كتبت! - حسام السكرى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لن أكتب ما كتبت!

نشر فى : السبت 12 ديسمبر 2015 - 10:15 م | آخر تحديث : السبت 12 ديسمبر 2015 - 10:15 م
هذا موضوع مؤجل. كلما شرعت فى كتابته أجد نفسى مدفوعا تحت ضغط الأخبار، لتنحيته والكتابة فى هم من الهموم الآنية: مرة عن الاعتقال القسرى، وأخرى عن التعذيب وانتهاك الكرامة. أؤجله وأكتب فيما اعتقدت أنه مُلح، ظنا منى بأهمية التنبيه إلى خطورة العسف بالناس والزيادة المضطردة فى أعداد المظلومين والمنتهكين.
بعد النشر أعيش أسبوعا من جلد الذات أتساءل فيه عن جدوى الكتابة فى أى من هذه الموضوعات المزعجة (على الأرجح لمن يكتبون عنها فقط). فالانتهاكات لا تتوقف، وعدد من يكترثون لحدوثها يتناقص يوما بعد يوم. بل وتتزايد الانتقادات والطعنات واتهامات التخوين. فيما يتعاظم قبول المجتمع لما يحدث من انتهاكات لأفراده إلى حد أن الإشارة إلى حقوق الإنسان أصبحت أمرا ممجوجا بل ومثيرا للضحك. فالمجتمع الذى رفع فى ثورته شعارات «العيش والحرية والكرامة الإنسانية» لا تكاد تذكر فيه اليوم عبارة «حقوق الإنسان» إلا وتستدعى معها بتلقائية وخفة عبارة «حموم الإنسان» وذكر «الحكوكيين» و«نشطاء السبوبة».
سأكتب موضوعى المؤجل لأنه «إيجابى» يعلى من قيمة المبادرة الفردية وإصلاح الذات. لا يوجد فيه ذكر للسجون أو الانتهاكات أو التعذيب، ولن يستدعى بالتأكيد أية اتهامات بالعمالة. فالمجتمع لم يعد هو المجتمع. أين نحن من أيام التعذيب الجميل؟! هل تذكر أيام الرئيس المخلوع حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى طيب الله ذكرهما؟ هل تذكر كيف انتفض المجتمع كله عندما تسربت أخبار تعذيب وانتهاك السائق عماد الكبير؟ قامت الدنيا ولم تقعد وانتهى الأمر بمحاكمة وإدانة وسجن الضابط المسئول عن انتهاكه. لو حدثت واقعة مشابهة اليوم لن يتحرك أحد. ولماذا أقول «لو»؟! نقلت منظمة العفو الدولية أول من أمس عن أسرة طفل عمره 14 عاما اسمه مازن محمد عبدالله، أن رجال الأمن فى قسم اول وثان مدينة نصر عذبوه عن طريق ادخال عصا فى مؤخرته عدة مرات وكهربة خصيتيه للاعتراف بعضويته فى جماعة الإخوان المسلمين، واحتجزوه دون محامٍ ودون اتصال بأسرته أسبوعا بعد القبض عليه فى ٣٠ سبتمبر. لن أكتب عن مازن. الأمر لم يعد يستحق.. عادى!
الأسلم أن أعود لموضوعى الإيجابى عن المسئولية الفردية والمبادرات المجتمعية. فهو يعفينى من كل حرج، بل وربما ينقلنى تدريجيا إلى خانة الكتاب المهمين المحبوبين الإيجابيين. لن أكتب عنه أو عن الصحفى والباحث هشام جعفر الذى ألقى القبض عليه بقوة أمنية جبارة كما لو كان من عتاة المجرمين، وتقف اليوم أسرته عاجزة عن زيارته أو إدخال ما يحتاجه من أدوية. وما دمت لن أكتب عنه أو عن رفيقه حسام عبدالحميد، فيستحسن أيضا أن اتجنب الإشارة إلى إسماعيل الإسكندرانى الذى يشترك مع جعفر فى كونه من عتاة منتقدى الإخوان، وفى أنه مثله متهم بالانتماء للجماعة المحظورة! لن أكتب عنهم أو عن غيرهم. لن أكتب عن الظلم. أريد أن أكون إيجابيا.
لن أكتب عن هذا كله ولا حتى عن السجون التسعة الجديدة التى ستبنيها مصر فى السنوات القادمة. لن أذكر أن واحدا منها تزيد مساحته على مئة فدان. سأمارس الإيجابية وأدعو الشباب للارتماء فى أحضان الوطن وقبول احتوائه لهم عن طيب خاطر. سأنضم لجحافل الإيجابيين المصطفين، وأرفع صوتى بأغانى حب الوطن، وأكتب موضوعى المؤجل.. ربما.. فى الأسبوع المقبل.
التعليقات