عدم المساواة يزيد من استقطاب العالم - العالم يفكر - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 9:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عدم المساواة يزيد من استقطاب العالم

نشر فى : الأحد 12 ديسمبر 2021 - 8:05 م | آخر تحديث : الأحد 12 ديسمبر 2021 - 8:05 م
نشرت مؤسسة Chatham House مقالا لإيان جولدن تناول فيه زيادة عدم المساواة فى العالم مع زيادة الأخطار الموجودة فى عالم اليوم من جائحة وتغير مناخى وأزمات مالية، وكيف أن الأخطار الناتجة تتحملها الطبقات الفقيرة والمهمشة فى المجتمعات فتزداد فقرا، وخطر ذلك على تزايد القومية والشعبوية وتراجع التعاون الدولى... نعرض منه ما يلى:

فى الدول الغنية، يقف المواطنون فى طوابير للحصول على الجرعة الثانية من اللقاح، بينما فى الدول الفقيرة يقف المواطنون فى طوابير للحصول على الطعام من أجل أطفالهم. إذا أردنا ضمان مستقبل مستقر ومزدهر، فلا بد من تقليص هذه الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة.
فى يناير 2020، عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية وباء كورونا جائحة عالمية، بدأنا نرى كلمتى «الجائحة» و«عدم المساواة» تتصدران معا العناوين الرئيسية... قدر البنك الدولى فى صيف عام 2021 أن 97 مليون شخص حول العالم أصبحوا يعانون من الفقر المدقع بسبب كورونا، مع اضطرارهم للعيش بما دون 1.9 دولار فى اليوم. وأدت الاضطرابات فى الميزانيات الوطنية وسلاسل التوريد والتعليم والعمل إلى إخراج أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة عن مسارها.
فاقمت الجائحة من المشكلة وأوضحت المدى الذى وصل إليه عدم المساواة والتفرقة. وأصبحت قضية معالجة عدم المساواة أكثر إلحاحا من ذى قبل.
استجابة للأزمة الصحية، تصرفت الحكومات والشركات بطرق لم تكن ممكنة فى يناير 2020. التحدى الآن هو البناء على هذه المبادرات للحد من التمييز وعدم المساواة فى كل مكان؛ هذا يتطلب سياسات محلية وتنسيقا دوليا لوقف الأزمات التى تعمق من عدم المساواة، مثل الأزمة المالية العالمية لعام 2008، والتغير المناخى الذى نتج عنه انتشار للمجاعات والمعاناة، وجاءت جائحة كورونا لتزيد من الانقسامات سواء من حيث الثروة أو التعليم.. إلخ.
•••
تزايد عدم المساواة يؤدى إلى زيادة الدعم للسياسيين الشعبويين والحمائية الاقتصادية... الفقراء بالطبع هم من يتحملون النصيب الأكبر من المعاناة فى أوقات الأزمات؛ فمدخراتهم قليلة، ويكونون أكثر عرضة لمخاطر الطقس والمشكلات الصحية والتقلبات الاقتصادية، ويؤدى تزايد عدم المساواة إلى تفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، بما فى ذلك ركود الإنتاجية وزيادة الجريمة واعتلال الصحة والاكتئاب.
ينتج عن هذا دوامة من الهبوط؛ فتؤدى خيبة الأمل إلى زيادة دعم الأحزاب المتطرفة مع إلقاء اللوم على الأجانب والعولمة. إن صعود الشعبوية والقومية هما أكثر ما يلفت الانتباه من التأثيرات السلبية لعدم المساواة على ترابط النسيج الاجتماعى، وتشويه سمعة الأحزاب الرئيسية وتزايد الغضب يقوض قدرة المجتمعات على مواجهة التحديات الحرجة. على سبيل المثال، فى الولايات المتحدة، أدى الافتقار إلى الإجماع العام إلى تقويض فعالية عمليات الإغلاق وارتداء الأقنعة وأخذ التطعيمات أثناء الوباء، وأدى إلى تسييس السياسات المتعلقة بالتخلص التدريجى من الوقود الأحفورى للتصدى لحالة الطوارئ المناخية.
كما تهدد القومية التعاون الدولى، فتقوض التزام الحكومات بالعمل الجماعى لإيجاد حلول لمواجهة المخاطر المشتركة؛ مثل التغير المناخى وجائحة كورونا والجرائم الإلكترونية والاضرابات المالية. والنتيجة هى عالم غير مستقر يزيد فيه عدم المساواة.
يأتى الوباء بعد عقد من التقشف وركود الأجور، مما يعمق المصاعب التى يعانيها عدد متزايد من المواطنين. أظهر مسح لـ37 دولة أجرته منظمةSave the Children أن الوباء تسبب فى انخفاض دخل ثلاثة أرباع الأسر، مع زيادة تضرر 82 فى المائة من الأسر الفقيرة بالفعل.
فى جميع أنحاء أوروبا، زاد الفقر بنسبة 10 فى المائة. فى الولايات المتحدة، أفادت أكثر من مليونى أسرة أنها لم يكن لديها ما يكفى من الطعام نتيجة للوباء. فى بريطانيا والولايات المتحدة والبرازيل، أدى عدم المساواة الموجود مسبقا فى هذه الدول إلى تسجيل أعلى معدلات الوفيات من كورونا فى العالم.
من العمل فى القطاعات الأكثر عرضة للمخاطر، إلى العيش فى ظروف صعبة، تحمل الأشخاص ذوو الدخل المنخفض العبء الأكبر من أخطار الوباء؛ مع ارتفاع معدلات الوفيات، وانخفاض فرص الوصول إلى الخدمات والغذاء، وانخفاض الاستقرار المالى.
فى إيطاليا، من بين كل ستة أشخاص يعمل أكثر من واحد فى القطاع غير الرسمى، وبالتالى لا يمكن الاعتماد على العمل للحصول على أجر فى فترة المرض أو أى دعم آخر. فى الهند، نصف القوى العاملة تعمل فى القطاع غير الرسمى وبدون عقود.
المهاجرون غير المسجلين الذين ليس لديهم حقوق إقامة رسمية هم أكثر عرضة للخطر، لأنهم فى العديد من الدول غير قادرين على الحصول على المزايا الطبية أو الرعاية الاجتماعية. وتنخفض مدخراتهم بشكل كبير، ولا يمكنهم تحمل أسبوع بدون، فهذا سيعنى المعاناة من نقص فى الغذاء والضروريات الأخرى للمعيشة.
•••
مع انتشار الوباء فى جميع أنحاء العالم، نفذت الحكومات الغربية ذات التوجهات السياسية المختلفة سياسات لتخفيف أسوأ آثاره؛ فقدموا مدفوعات مباشرة وضمانات توظيف وأنواع دعم أخرى أدت فى عامى 2020 و2021 إلى تسكين الألم، بل وفى بعض الدول قللت بشكل مؤقت من عدم المساواة. ولكن مع انتهاء مخططات الدعم تلك، سنعود إلى عدم المساواة، بل وستتزايد عن ذى قبل.
المنتديات العالمية أظهرت عدم قدرتها على الاستجابة إلى تداعيات الجائحة؛ واختلفت الاستجابة العالمية للوباء بشكل كبير عن الطريقة التى يستجيب بها العالم للأزمات المالية العالمية.
فشلت دول مجموعة السبع بشكل مخيف فى تنسيق السياسات الصحية فيما بينها، مما أدى إلى سباق تنافسى لتطوير اللقاحات ثم تخزينها، فضلا عن الإخفاق فى تنسيق إجراءات السفر والسياسات الأخرى. والأسوأ من ذلك، الفشل الذريع لمجموعة العشرين فى تلبية مطالب الدول النامية.
نتج عن ذلك تطعيم 6 فى المائة فقط من الأفارقة بحلول نهاية أكتوبر 2021. لا تزال الدول الأخرى ذات الدخل المنخفض والمتوسط غير محصنة إلى حد كبير. هذا على الرغم من الوعود من دول مجموعة السبع ضمان توزيع اللقاحات على مستوى العالم.
وفى الوقت نفسه، فشلت مجموعة العشرين فى التوصل إلى حزمة إنقاذ مالى أو الاتفاق على حزمة إعادة هيكلة الديون للتغلب على الديون التى قوضت قدرة البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل على الاستجابة؛ إما لحالات الطوارئ الصحية أو التنموية.
فى حين أن حكومات الدول النامية لم تكن قادرة على توفير هذا النوع من التحفيز الذى كلف الحكومات الغنية ما يصل إلى 20 فى المائة من دخلها القومى، فقد انهارت نظمها الصحية وشبكات الأمان الاجتماعى، البالية بالفعل، مما أدى إلى انتشار الجوع والفقر.
أدى قطع المساعدات الخارجية البريطانية بمقدار الثلث، والفشل فى تطوير حزمة إنقاذ، والتى ستشمل بالضرورة تخفيف عبء الديون، إلى زيادة العبء على الدول النامية، مع تقصير مجموعة السبع ومجموعة العشرين مما زاد من معاناة الفقراء فى أكبر انتكاسة تنموية فى التاريخ.
•••
مكان ولادتنا، ودخل آبائنا، وتعليمنا، ومدرستنا، وعوامل أخرى خارجة عن إرادتنا هى التى تشكل معظم فرصنا فى الحياة.
إن الحد من عدم المساواة هو أكثر بكثير من مجرد زيادة الدخل وزيادة النمو الاقتصادى، فهو يتطلب أيضا المساواة فى الحصول على التعليم والصحة والطاقة والإنترنت والخدمات الأخرى. الاستثمارات الخاصة أمر حيوى، وكذلك الإنفاق الحكومى.
يمكن للضرائب التى تعيد توزيع الدخول، فى شكل الصحة والتعليم، وكذلك الضمان الاجتماعى، والإسكان، والأطفال وغيرها من المزايا، أن تساعد بشكل كبير فى التغلب على عدم المساواة. فى أيرلندا وفرنسا، أدت الضرائب وإعادة توزيع الدخل إلى تقليل عدم المساواة بدرجة كبيرة مقارنة ببريطانيا. وعلى الصعيد الآخر، فشلت الحكومات المتعاقبة فى الولايات المتحدة فى استخدام الضرائب وإعادة توزيع الدخل للتغلب على عدم المساواة، مما جعلها أكثر الدول الغنية التى تستمر بها عدم المساواة.
قبل أخذ الضرائب والإنفاق الحكومى فى الحسبان، فإن التفاوتات تكاد تكون مرتفعة فى فرنسا كما فى الولايات المتحدة وبريطانيا، بل وحتى أعلى فى أيرلندا والتى بدون إعادة التوزيع ستكون ذات النسبة الأكبر من عدم المساواة بين أغنى 34 دولة.
تُظهر إنجازات فرنسا والدنمارك وبوليفيا وتايلاند وكمبوديا وكوريا الجنوبية ودول أخرى أنه يمكن التغلب على عدم المساواة. ويمكننا التعلم من التقدم الملحوظ الذى تم إحرازه لمعالجة التمييز وعدم المساواة الذى يبدو مستعصيا على الحل... لن نتمكن من استغلال إمكانات مجتمعاتنا والتأكد من أننا نبنى عالما متماسكا ومستداما فى ظل وجود عدم المساواة.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

التعليقات