الحقيقة الأولى ــ يغيب التوافق الإقليمى والدولى عن التدخل العسكرى فى اليمن.
الحقيقة الثانية ــ لن يحسم التدخل العسكرى فى اليمن الصراع الراهن على الحكم / السلطة، ولن يحد بفاعلية من قوة الحوثيين وحلفائهم على الأرض ولن يغير من الضعف العسكرى والعملياتى للقوى الواقفة فى مواجهتهم، كذلك لن يدفع منطقه التصعيدى أطراف الصراع الداخلية إلى طرق مسارات وأبواب التفاوض وسيلزمهم عملا بجنون وعبث حروب الكل ضد الكل.
الحقيقة الثالثة ــ يشعل كل من التدخل الإيرانى فى اليمن بتمويل وتسليح وتقديم الدعم السياسى والدبلوماسى للحوثيين المنتمين للمذهب الشيعى، والتدخل السعودى / الخليجى تقليديا بدعم مالى لقوى تقليدية وقبلية سنية مناوئة للحوثيين صراعات وحروب الهويات القاتلة، ويزجان باليمن وبحوارها إلى تلاعب كارثى بالأوراق الطائفية والمذهبية والقبلية.
الحقيقة الرابعة ــ تأجيج صراعات وحروب الهويات القاتلة فى اليمن ليس له إلا أن يقضى على القليل المتبقى من السلم الأهلى للمجتمع والقليل المتبقى من مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية، وسيفضى حتما حال استمراره إلى التهام دينامية التفتت الصومالى لليمن.
الحقيقة الخامسة ــ الصورة النمطية عن اليمن التى تروج لها بعض دوائر الحكم / السلطة وبعض دوائر الإعلام فى الخليج ومصر ومفادها تخلف مجتمعها الذى «خرج منذ عقود قليلة من ظلامية العثور الوسطى»، والرفض الكاسح لفكرة الدولة الوطنية الحديثة من قبل شعبها، والغياب الكامل لقوى اجتماعية وسياسية متماسكة يمكن تشجيعها على الحوار ومساعدتها فى إدارة عملية تفاوضية تحمى حق المواطن اليمنى فى الحياة وتحافظ على المجتمع والدولة؛ ليس بها إلا جهل بين بواقع المواطن والمجتمع والدولة فى اليمن وليست إلا ترجمة «عصرية» من قبل الدوائر الرسمية والإعلامية فى الخليج ومصر للصورة الاستعمارية النمطية عن اليمن الذى لم يطرق بعد أبواب الحداثة.
الحقيقة السادسة ــ نعم، تسيطر اليوم القوى الطائفية والمذهبية والقبلية على المجال العام فى اليمن وتزج بالمواطن والمجتمع والدولة إلى الصراعات والحروب العبثية الراهنة، وتعمق جماعات الإرهاب من الدموية والوحشية والجنون والعبث. إلا أن هذه القوى ليست بالكيانات الفاقدة بالكامل للحسابات الرشيدة أو للقدرة على الفعل العقلانى، وكذلك لهذه القوى وجميع الأطراف المجتمعية والسياسية المؤثرة فى الأوضاع اليمنية تواريخ طويلة من التعايش المشترك ومن الإدارة السلمية للصراع ومن توافقات متعاقبة على أنماط مختلفة من اقتسام الحكم / السلطة، وتحيط بها أيضا جغرافية تفرض الشراكة والتوافق واقتسام الحكم / السلطة لأن السيطرة المنفردة والهيمنة الأحادية غير ممكنة.
الحقيقة السابعة ــ لم تذهب العقود الجمهورية فى اليمن، منذ ستينيات القرن العشرين وإلى اليوم وبصيغتى «الجمهوريتان الشمالية والجنوبية» ثم «جمهورية الوحدة»، دون آثار مجتمعية عميقة، وغير صائب الإدعاء أن أغلبية الشعب اليمنى تتمرد على فكرة الدولة الوطنية وفكرة الجمهورية. بل الصحيح هو أن إخفاقات نخب الحكم / السلطة المتراكمة دفعت المواطن ــ كما فى العراق ولبنان وغيرهما ــ إلى طلب الحماية والعوائد من القوى الطائفية والمذهبية والقبلية وشجعت بعض الأدوار الإقليمية ــ إيران من جهة والسعودية والخليج من جهة أخرى ــ ذلك بوضوح. غير أن الأغلبية لم تهجر لا فكرة الدولة الوطنية ولا فكرة الجمهورية الحديثة تماما، ويمكن دفعها للانتصار لهما حال التوافق على مسارات تفاوضية وسلمية حقيقية لإنهاء الصراعات والحروب الدائرة اليوم وإنقاذ المجتمع والدولة من الانهيار والتفتت.
الحقيقة الثامنة ــ مصر هى الطرف الإقليمى الوحيد المؤهل لتبنى وطرح رؤية لإخراج اليمن من الأزمة الراهنة انطلاقا من الحقائق السابقة، وتعويلا على الإدارة التفاوضية والعمل على التوصل إلى حل سلمى، وتوظيفا لرفضنا التقليدى لتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية والقبلية، واستدعاء لصورة الدور المصرى المتماهية فى الذاكرة الجمعية للشعب اليمنى مع فكرتى الدولة الوطنية والجمهورية الحديثة. لتتبنى مصر مبادرة لوقف الصراع والحرب فى اليمن، وللتفاوض بهدف حماية المواطن واستعادة السلم الأهلى وإنقاذ الدولة الوطنية عبر بوابات بناء التوافق والشراكة واقتسام الحكم / السلطة بين جميع الأطراف الفاعلة فى المجتمع. لتتبنى مصر مثل هذه المبادرة، وتدعو الأطراف الإقليمية والدولية إلى التفاعل الإيجابى معها، وتبتعد عن المزيد من التورط فى العمليات العسكرية الراهنة وتبتعد تماما عن التدخل العسكرى البرى.
أرجوكم لا تضيعوا هذه الفرصة الحقيقية لمساعدة شعب اليمن، ولا تعصفوا بالمصادر التقليدية لقوة الدور المصرى فى اليمن ولقبوله الشعبى المرتبط برفضه للتلاعب بالأوراق الطائفية والمذهبية والقبلية وبانتصاره لفكرتى الدولة الوطنية والجمهورية الحديثة دون تبعية ﻷطراف إقليمية أو دولية.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.