الاقتصاد أخطر من أن يترك للمستثمرين - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد أخطر من أن يترك للمستثمرين

نشر فى : السبت 14 مارس 2015 - 12:55 م | آخر تحديث : السبت 14 مارس 2015 - 12:55 م

النجاح المتوقع لمؤتمر «شرم الشيخ» الاقتصادى يرفع منسوب الثقة العامة فى المستقبل غير أن قضية العدالة الاجتماعية حاسمة للوقوف على أرض صلبة.
تقول حكمة شهيرة إن الحرب أخطر من أن تترك للعسكريين وحدهم.
بذات القدر فإن الاقتصاد أخطر من أن يترك للمستثمرين بمفردهم.
بالتعريف: الحرب امتداد للسياسة بوسائل عنيفة.
وهذا يعنى أن اعتبارات السياسة قبل قوة النيران ووضوح الأهداف قبل خطط العمليات.
الأمر نفسه ينصرف إلى الاقتصاد والرهان على تعافيه.
فقوة الدولة من قوة اقتصادها وقدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها وتحسين جودة حياتهم.
قوة الاقتصاد كهيبة السلاح من أساسيات القوة الخشنة التى تحفظ مكانة الدولة وتحقق مصالحها فى محيطها وعالمها.
وهذا يعنى أن السياسات قبل المشروعات.
لا يمكنك أن تخطط لمدى معقول دون أن تعلن انحيازاتك وأولوياتك.
عندما تدعو إلى تدفق الاستثمار الأجنبى فإن ما يطرحه المستثمرون من تساؤلات لا يمكن تأجيل الإجابة عنها، وبقدر ما تكون مقنعة فإنك تكسب دعوتك.
أول التساؤلات بيئة الاستثمار وما إذا كانت تجذب أم تنفر.
ثانيها البنية التشريعية وما إذا كانت تساعد أم تعرقل.
وثالثها مدى استقرار الدولة وقدرتها على حفظ أمنها.
فى اللحظات الأخيرة قبل المؤتمر حاولت الدولة أن تجيب عن التساؤلات الثلاثة وأن تستجيب وزيادة لمطالب المستثمرين بحزمة قوانين.
بالقدر ذاته فإن من حق المجتمع أن يعرف ما هو الإطار العام لحركة الاقتصاد والقواعد التى تحكمها وما إذا كانت تتسق مع نصوص الدستور أم تناهضها.
هناك فارق جوهرى بين الاستثمار وإطاره.
أن توضع مصر مجددا على خريطة الاستثمارات الدولية فهذه قضية لا يستهان بأثرها ولا قوة دفعها فى أية خطة لتنشيط الاقتصاد العليل وضخ الدماء فى شرايينه المتيبسة.
بدرجة ما فإن مؤتمر «شرم الشيخ» سوف يخترق الحواجز التى كانت تمنع تدفق الاستثمارات إلى مصر بصورة تليق بحجمها.
إلى أى حد.. وإلى أى مدى؟
هذا سؤال تتوقف إجابته فى النهاية على الإطار العام لحركة الاقتصاد الذى يحكم أولويات المشروعات الاستثمارية المقترحة.
نقطة الخلل الجوهرية الآن أن أحدا لا يتحدث فى الإطار العام ولا فى السياسات العامة.
كل شيء تفصيلى بلا أفق.
هناك مشروعات تستبعد وأخرى تدخل إلى السوق دون أن يكون مفهوما معيار الاستبعاد أو الدخول.
الأسباب قد ترجع إلى شروط الجدية الاستثمارية دون أن يسأل أحدا عن أية اعتبارات أخرى.
فى حزمة المشروعات الاستثمارية المقترحة أمام مؤتمر «شرم الشيخ» تتبدى الأرقام والتفاصيل والحوافز دون أن يكون واضحا ما يربط بينها ولا أين الخطة العامة.
غاب السياسيون والاقتصاديون وحضر الخبراء والفنيون، فلا بوصلة طريق معروفة ولا خيارات رئيسية معلنة.
لا إجابة عن سؤال: لمن تذهب الجوائز فى النهاية؟
أن يكسب المستثمرون فهذا حقهم أما أن يخسر المواطنون العاديون، فهذه كارثة تعيد إنتاج الماضى.
حتى يستقر النجاح المتوقع للمؤتمر على أرض صلبة.. لابد أن تكون هناك إجابة معلنة وأى تأخير إضافى يصعب تدارك ما يترتب عليه من نتائج.
الاستثمار يكتسب قدرته على التدفق من وضوح الخطة العامة ومن مدى اتساع قاعدة المستفيدين منه.
إذا ضاقت القاعدة الاجتماعية كما حدث فى عهد الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» فإن تقويض أية معدلات محتملة للنمو الاقتصادى لا يمكن استبعادها.
أرجو ألا ينسى أحد فى هذا البلد أن معدل النمو المرتفع للغاية لم يمنع ثورة شعبية حقيقية حركتها مظالم احتكار الثروة وسحق الفئات الأكثر عوزا.
النمو بلا تنمية مشروع اضطراب جديد كأن مصر لم تتعلم شيئا من تجربتها المريرة.
وهذا تحذير ضرورى فى لحظة تقدم، لأن كل شيء معرض للتصدع إن لم يستكمل مقومات وجوده وأولها العدل الاجتماعى.
أريد أن أقول بوضوح إن المبالغة فى التوقعات قد تفضى إلى ردات فعل سلبية.
هناك فارق بين الحقائق والأمنيات.
المبالغات تصور للناس أن أحوالهم سوف تختلف فى اليوم التالى وهذا غير صحيح فى أى حساب ومدمر فى أى توقع.
الذين سوف يهنئون أنفسهم من المواطنين العاديين على نجاح المؤتمر لابد أن يتساءلوا بعد أسبوعين أو ثلاثة: ما نصيبنا نحن؟
رفع سقف التوقعات، رغم أن الطريق طويل وشائك، مثل تغييب الحوار السياسى، يفضى إلى أزمات لا لزوم لها.
فى توقيت واحد تصدرت الأجندة الرسمية قضيتان على درجة عالية من التداخل: الاقتصاد والأمن، المؤتمر والإرهاب.. وهذا مفهوم طبيعى، غير أن غياب الكلام السياسى يفرغ القضيتين من أى محتوى ملهم، فلا اقتصاد بلا رؤية ولا أمن بلا غطاء.
ورغم أن المؤتمر اقتصادى فإن مستوى تمثيل الوفود الرسمية شهادة سياسية تحتاجها مصر فى وقت حرج.
لم يأت رؤساء وفود الدول للاحتفال بالمهرجان الاستثمارى ولا مشاهدة جمال منتجع «شرم الشيخ» والتمتع بشمسها، القضية من أولها لآخرها سياسية تتعلق بالمصالح الكبرى التى تتجاوز العقود الاستثمارية.
وبقدر المشاركة السياسية تتبدى الفرص الاقتصادية.
للسبب السياسى نفسه، فضلا عن المنافع الاقتصادية والفرص المتاحة، شاركت كبريات الشركات الدولية والعربية.
المشاركة على هذا المستوى شهادة معتمدة اقتصاديا ومقصودة سياسيا على التعافى المتوقع بأسرع وقت قبل أن يوقع عقدا واحدا.
بزخم السياسة تجاهلت أغلب القوى الدولية أية مخاوف من عمليات إرهابية قد تعرقل الاستثمارات المتوقعة.
وقد استمعت باستفاضة من مسئول فرنسى كبير يتابع الملف عن قرب «أن باريس سوف تمضى إلى النهاية فى دعم الاقتصاد المصرى بغض النظر عن أية عمليات إرهابية محتملة».
«لا يوجد أمن مطلق، فليس بوسعنا أن نمنع نهائيا أية احتمالات لتكرار حادثة «شارلى إيبدو» الإرهابية، ومن الطبيعى ألا نطلب من المصريين مالا نقدر عليه».
المعنى أن الرهان السياسى غلب الهاجس الأمنى.
لم يكن ممكنا لهذا المؤتمر أن ينجح بدون غطاء عربى ودولى.
وهذا يحسب لإدارة السياسة الإقليمية والدولية أكثر مما يحسب للخبراء والفنيين الاقتصاديين.
إذا كانت هناك مفاجأة فى هذا المؤتمر فإنها الصورة النهائية التى بدت عليها المشروعات الاستثمارية المقترحة.
بتعبير نفس المسئول الفرنسى فإن طريقة عرض المشروعات على درجة عالية من «الاحترافية». وهذه شهادة إيجابية لكنها لا تمنع من أن نصارح أنفسنا بالحقيقة، فقد ارتكبت أخطاء فادحة على مدى طويل نسبيا أخرت المؤتمر وأثبتت فى الوقت نفسه أن الجهاز الحكومى ليس مؤهلا ولا كفؤا لتحمل مسئولية مثل هذه المؤتمرات الدولية، وأن المهمة أدتها جهات أخرى.
ما يحتاجه هذا البلد وهو يخترق حواجز صعبة فى مؤتمر «شرم الشيخ» أن يهنئ نفسه على أى نجاح محتمل دون أن يخدع مستقبله ولا أن يترك اقتصاده رهينة لدى المستثمرين وحدهم.