نموذج التعايش والمواطنة العادلة فى إندونيسيا صناعة مصرية خالصة وإبداع مصرى يدرس للمجتمع الإندونيسى.

إنها نبيلة تلك الطالبة الجامعية المصرية فى بدايات الستينيات التى ارتبطت بشاب من إندونيسيا يدرس فى القاهرة، وكان قرارها بالموافقة على الزواج منه قفزة فى المجهول، ولأن المناخ الاجتماعى فى مصر لم يكن معقدا على النحو الذى نعيشه الآن فقد منحتها عائلتها حرية الاختيار وحق تحديد المصير. تزوجت نبيلة وانتقلت لبيت الزوجية فى سومطرة التى ضربها زلزال أمس الأول.

وبعد ٤٨ عاما فى إندونيسيا صارت نبيلة أيقونة التعايش بين الحضارات والثقافات المختلفة وهى الآن أستاذ الأدب العربى بجامعة شريف هداية الله الحكومية فى جاكرتا، وقد روت قصتها فى محاضرة شهدها عدد من نواب برلمان ٢٠١٢ المصرى وبعض المثقفين والإعلاميين.

وقد حدثتنا نبيلة عن وسطية واعتدال الإسلام فى إندونيسيا التى تضم مئات الأعراق والديانات واللغات، وهى الوسطية التى أنتجت المبادئ الخمسة الحاكمة لأى دستور يوضع للبلاد، وهى ما تعرف بالبنجاسيلا، القائمة على إعلاء خمسة حقوق أساسية فوق كل الاعتبارات السياسية والطائفية وهى: وحدانية الإله، ووحدة إندونيسيا، وحق الحرية والمساواة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

وهذه المبادئ الخمسة مقدسة لا يجوز لأى نظام سياسى الاقتراب منها منذ أن وضعها سوكارنو بعد استقلال إندونيسيا وصارت لب الهوية الإندونيسية منذ ذلك التاريخ، وكل مواطن يلزم بأداء القسم منذ العام ١٩٢٨ على الدفاع عن قومية واحدة ووطن واحد، وتقام دورات تدريبية دورية لجميع العاملين فى الدولة على احترام وتطبيق مبادئ البنجاسيلا الخمسة، بحيث يكون لا فضل لإندونيسى على آخر إلا بالمواطنة الحقة.

وقد حكت نبيلة كيف صدمت حينما أقامت فى سومطرة وتعلمت اللغة المحلية فى زمن وجيز وتخيلت أنها انتهت من اجتياز عقبة اللغة، لكنها فوجئت بأن فى إندونيسا مئات اللغات المناطقية المختلفة ورغم ذلك هناك مواطن إندونيسى واحد، بصرف النظر عن اختلاف اللون والعرق واللسان والدين. وتروى أن فى أسرتها نموذجا للتعايش المحترم بين الناس، فابنها عمر متزوج من رافايلا المسيحية، وقد أنجب عمر ورافايلا أطفالا صاروا أحفادا لجدين مسلمين وآخرين مسيحيين، وتتحدث بسعادة عن علاقتها القوية الجميلة بحماة ابنها المسيحية.

إن نبيلة المصرية مثال للمواطن الإندونيسى الكامل الذى يسلك فى حياته وهو على يقين أن مسطرة القياس والمفاضلة بين الناس هى المواطنة، وتردد مثل غيرها من ٢٥٠ مليون إندونيسى أن الله منحهم نعمة الوحدة والكل يعمل على صيانة هذه الوحدة وتعميقها.

وأزعم أن مصر فى مسيس الحاجة إلى قيم نبيلة على هذا النحو..