مصر 2011 ــ 2013.. كيف دفعت الأحزاب الليبرالية واليسارية ثمن التفتت والخوف؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر 2011 ــ 2013.. كيف دفعت الأحزاب الليبرالية واليسارية ثمن التفتت والخوف؟

نشر فى : الجمعة 14 أبريل 2017 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 14 أبريل 2017 - 10:05 م

إبّان الانتخابات البرلمانية للعام 2011 تشظّت الأحزاب الليبرالية واليسارية. فائتلافاتها المتباينة أربكت الناخبين، وانخراط بعضها فى عملية الاستقطاب الدينى سلّم أقساما كبيرة من الناخبين إلى الإخوان والسلفيين. وفى خاتمة المطاف، ساعدت الأصول التنظيمية والمالية والإرث التاريخى حزب الوفد على حصد 32 مقعدا فى مجلس الشعب، فيما مكّنت الأصوات القبطية بالأساس ومعها التمويل الكثيف والحملات الإعلامية الكتلة المصرية من الفوز بـ34 مقعدا. أما ائتلاف «الثورة مستمرة» حصل على 7 مقاعد فقط، وحزب الكرامة 6 مقاعد على لوائح جماعة الإخوان المسلمين.
هيمن حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان والأحزاب السلفية على مجلس الشعب (الذى التأم فى يناير 2012)، مع حصدها معا ثلاثة أرباع المقاعد، فيما تواصل تشظّى الأحزاب «العلمانية» داخل المجلس. حزب الوفد مال إلى التعاون مع الإخوان والسلفيين، واختار نواب الكتلة المصرية ونواب ليبراليون ويساريون آخرون انتهاج استراتيجية مُعارضة. كانت حسابات الوفد مُنبثقة من البراغماتية التى ورثها من عهد الرئيس الأسبق مبارك. أما الإسلاميون فقد بدا فى العام 2012 أنهم يتمتعون بحظوة المؤسسة العسكرية، وأنهم بدأوا يشقون طريقهم ليصبحوا القوة السياسية الرئيسية فى مصر. كان الوفد، الذى تأقلم دوما مع حقائق التعددية المحدودة فى العقود السابقة، مستعدا للمشاركة فى سياسات ما بعد 2011 وفق واقع هيمنة الإسلام السياسى ومعها فرضية تشكيل الإخوان والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية لنخبة حكم جديدة.
***
أما أحزاب الكتلة المصرية فقد تبنّت استراتيجية مُغايرة. فهى بدلا من أن تعتبر المكاسب المتواضعة التى حققتها فى الانتخابات بداية طيبة لأحزاب طرية العود وحديثة التأسيس، أطلّت، ومعها ممولوها وناخبوها، على هيمنة الإسلاميين على أنها هزيمة مُحققة. لا بل أكثر، اعتبر كل هؤلاء أن هذه الحصيلة هى ثانى هزيمة لهم بعد فشلهم فى إسقاط الاستفتاء الدستورى الذى فرضه المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى مارس 2011.
كانت المجموعات الليبرالية واليسارية، ماعدا حزب الوفد، قد حثّت الناخبين فى ربيع 2011 على التصويت بـ«لا» فى الاستفتاء الذى طُرحت فيه تعديلات على دستور 1971 وطُلب من الناخبين التصديق عليها. ساورت هنا هذه المجموعات الآمال بأن التصويت بـ«لا» سيمهّد الطريق أمام صياغة دستور جديد قُبيل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية (بدلا من الشروع الفورى فى عمليات انتخابية)، ولذلك شنّوا حملات إعلامية قوية لتعبئة الناخبين ضد التعديلات المقترحة. بيد أن أغلبية كاسحة من الجسم الانتخابى (نحو 78 فى المئة) صوّتوا لصالح التعديلات التى تبنّاها الإسلاميون والمؤسسة العسكرية. ثم إن الإسلاميين، وخاصة منهم السلفيون، عمّقوا مشاعر الهزيمة هذه فى صفوف العلمانيين من خلال تصوير نتائج الاستفتاء الدستورى على أنه تصويت لصالح الإسلام (غزوة الصناديق)، وأيضا على أنه تفويض كاسح للإسلاميين ورفض لأى فكرة عن فصل الدين والسياسة ــ هذا على رغم أن أيا من التعديلات المقترحة لم يتعلّق بدور الدين فى السياسة أو بشئون الدولة.
***
بعد أن واجهت الأحزاب الليبرالية واليسارية فى الكتلة المصرية فى أوائل 2012 مجلس شعب يُهمين عليه الإسلاميون، وبعد أن تجرّعت كأس هزيمتها الثانية، قررت الامتناع عن التعاون مع الإسلاميين، وحاولت بلورة برنامج للمُعارضة فى البرلمان. وهكذا، ومنذ اليوم الأول لجلسات البرلمان، كانت التوترات وغياب الثقة بين نواب الإخوان والسلفيين وبين نواب الكتلة واضحة للعيان. هذا فى حين وجدت أحزاب ليبرالية ويسارية أخرى، خاصة تلك المنضوية فى ائتلاف الثورة مستمرة والتى كان لها حفنة مقاعد فى البرلمان، نفسها معلّقة فى الهواء بين موقف حزب الوفد المستعد للتعاون مع الإسلاميين وبين معارضة الكتلة المصرية لذلك. وكانت النتيجة الحتمية هى التهميش السياسى.
كان الإخوان المسلمون يعتبرون السلفيين منافسين لهم وداعبوا فكرة التعاون مع الليبراليين واليسار، لكن حين واجهوا طيفا «علمانيا» متشظيا ومعاديا لهم إلى حدّ ما، تحرّكوا للتقارب مع السلفيين، وبذلك عززوا أكثر البرنامج السلفى المحافظ والمتطرف والذى كانت مرتكزاته تطبيق الشريعة وإسباغ تهمة الكفر على الآراء العلمانية. وخلال الفترة القصيرة من عمر برلمان 2012 (تم حل مجلس الشعب فى يونيو 2012 بعد قرار من المحكمة الدستورية العليا)، لم تُظهر أى مرحلة أخرى مدى عمق التوترات الاسلامية ــ العلمانية وانزلاق الإخوان نحو السلفيين، كهذه المرحلة التى شهدت تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد.
نصّت التعديلات الدستورية التى أُقرَّت فى ربيع 2011 بأن البرلمان بمجلسيه (مجلس النواب ومجلس الشورى) سيشكّل الجمعية التأسيسية. فى البداية، عمد الإخوان المسلمون، وبفعل حذَرَهم من السلفيين، إلى مفاتحة النواب الليبراليين واليساريين للاتفاق على كيفية تشكيل الجمعية التأسيسية. لكن، وكما كان الحال مع التحالف الديمقراطى من أجل مصر، أدّت الخلافات على عدد المقاعد المُخصصة للإسلاميين بالمقارنة مع الأحزاب الليبرالية واليسارية فى الجمعية التأسيسية، إلى إحباط التسوية.
فى خاتمة المطاف، تشكّلت الجمعية بأغلبية إسلامية وأقلية ليبرالية ويسارية ضئيلة للغاية، فانسحبت المجموعة الأخيرة من النواب منها. وفى أبريل 2012، أسقطت المحكمة الإدارية الجمعية التأسيسية حتى قبل أن تبدأ مداولاتها. شُكِّلت جمعية ثانية، سبقتها مرة أخرى مفاوضات فاشلة بين الإسلاميين و«العلمانيين». ومرة أخرى أيضا تأمّنت أغلبية للإخوان والسلفيين، لكن مع عدد أكبر قليلا من الأعضاء العلمانيين من كل من البرلمان وخارجه، فتم تمثيل المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، جنبا إلى جنب مع الأذرع القضائية والتنفيذية للدولة.
***
أسفرت الصراعات حول الجمعية التأسيسية إلى مزيد من تقويض الثقة بين الأحزاب الإسلامية والأحزاب الليبرالية واليسارية، وعمدت الكتلة المصرية على وجه الخصوص إلى مباشرة دورها فى العرقلة وبذلت جهودا لنزع الشرعية عن الإطار السياسى لفترة ما بعد 2011. وفى وقت مبكر من ربيع 2012، كانت أحزاب مثل المصريين الأحرار والجبهة الديمقراطية والتجمّع تحث المؤسسة العسكرية على التدخّل فى الشأن السياسى، وحل الجمعية التأسيسية، وتأجيل مسودة الدستور وكل الانتخابات، إلى أن يتم التوصّل إلى موازين قوى أخرى جديدة بين القوى الإسلامية و«العلمانيين» الخائفين. ولاحقا ستطرأ المزيد من الأحداث التى ستُعزز موقف العرقلة والهدم الذى اتخذته الأحزاب الليبرالية واليسارية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات