المناظرة.. لغة العصر - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 1:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

المناظرة.. لغة العصر

نشر فى : الإثنين 14 مايو 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 مايو 2012 - 8:35 ص

بحماس منقطع النظير يقترب من حماس مباريات كرة القدم، تابع المصريون بجميع فئاتهم وطوائفهم المناظرة الرياسية بين عمرو موسى وأبوالفتوح.. ليس بهدف تغليب طرف على طرف آخر، ولا للمقارنة بين مرشحين يمثل كل منهما نمطا مختلفا من التفكير والأداء والخلفية السياسية، ولا لوضع المعايير التى تكفل قياس وزن كل منهما فى ملء المنصب الشاغر.. ولكن للاستمتاع بما يمثله كل منهما من قدرة على ممارسة الجرى والسباق داخل حلبة الحريات الواسعة بغير حدود وبغير حساب. وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على المشاركين فى اللعبة من أحزاب وقوى سياسية وكنباوية، تتخذ موقف المتفرج. ويطلب منها أن تضع رهانها فى النهاية على أى منهما أو على مرشح ثالث.

 

ولا خلاف فى أن منظمى المناظرة بذلوا جهدا فائقا فى تنظيمها ووضع القواعد الصارمة، ليكون الحوار بين المرشحين منصفا وعادلا قدر الإمكان. وكانت أهم نقطة اعتراض أثيرت حول هذه المناظرة، هى لماذا كان الاختيار بين المرشحين المذكورين بالذات عمرو موسى وأبوالفتوح. وكانت الإجابة أن استطلاعات الرأى لثلاث جهات محايدة أجمع على تقدمها على سائر المرشحين. غير أن هذا لا ينفى احتمال بروز مرشح ثالث يتأهل لخوض السباق أمام أى منهما فيما بعد.

 

وهنا فإن استطلاعات الرأى عقب المناظرة يجب أن تتخذ ليس فقط كمعيار لمدى ما أحرزه كل منهما من تقدم أو تأخر، وأيهما استطاع أن يوسع دائرة مؤيديه إلى مجالات أبعد، بل وأىضا لمقارنتهما بمرشح ثالث. وحينئذ يمكن أن تجرى مناظرة أخرى بينه وبين الفائز المتقدم فى المناظرة الأولى. حيث يبدو من المسلم به أن مرشحين آخرين مثل محمد مرسى مرشح حزب الحرية والعدالة وحمدين صباحى والفريق أحمد شفيق يبذل ثلاثتهم جهودا مكثفة فى الأيام القليلة الباقية لدخول دائرة الاحتمالات الحقيقية للفوز.

 

ومن هنا فليس من حق الإعلام ممثلا فى برامج التليفزيون ولا فى بعض الأقلام الصحفية أن تبادر إلى إغلاق الباب فى وجه أحد، والحكم عليه مسبقا بأنه لا يملك مؤهلات الفوز فى المعركة. وللأسف فإن معظم التعليقات لم تملك نفسها لتصدر أحكاما على هذا المرشح أو ذلك. وتخلع عليه من التفضيلات والمزايا أو من السلبيات ما يعنّ لها، وما يتفق مع رأيها الشخصى ومدى حبها وكراهيتها لمرشح يعرفه وآخر لا يعرفه، دون قدرة على الحكم الموضوعى الهادئ الذى يتوقعه القارئ من كاتبه والمشاهد من برنامجه، فى أعقاب مناظرة استغرقت عدة ساعات. ولم تكن مبارزة بالمعنى المفهوم. ولم يطلب أحد من أحد أن يلعب فيها دور القاضى والحكم.. ويفرض اختياراته وولاءاته على القارئ والمشاهد لمجرد أنه امتلك قلما ومساحة!!

 

لقد هالنى ما لاحظته من اندفاع كثير من الكتاب والمعلقين ــ وقبل أن تبرد الدماء ــ إلى إصدار أحكام باترة قاطعة على عمرو موسى من ناحية أو على أبوالفتوح من ناحية أخرى. ولم يدرك هؤلاء أن الحوار فى مثل هذه الحالات لا يمس غير رءوس موضوعات ولا يتطرق إلى التفاصيل. ولذلك تظل بعض القضايا عالقة بدون حل مثل الاحتكام لمبادئ الشريعة الإسلامية وما دار حولها من جدل.. وعن مدى مشاركة أى من المرشحين فى التعاون مع نظام مبارك، وكيف سيتعامل مع رجال النظام السابق!

 

لقد شاهدت برامج لقنوات تليفزيونية أخرى تدور حول انتخاب الرئيس. ومن أفضلها كان برنامجا مكثفا خضع فيه المرشح الإخوانى محمد مرسى لأسئلة خبراء وسياسيين مستقلين ومحكمين غير منحازين، تناولت مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والعامة. وكشف فيه المرشح عن وجه وشخصية قلما تبدو واضحة للمشاهد فى الحملات الانتخابية، وقد ظلمتها إلى حد كبير المقالات والبورتوريهات الصحفية، ولكنها على الشاشة بدت متميزة بالرصانة والاعتدال وعلى جانب كبير من العلم والثقافة، دون إنكار لميوله الإسلامية وانتماءاته للجماعة الإخوانية.

 

تعتبر المناظرات الرياسية تجربة جديدة بالنسبة للكثيرين فى مصر. تعبر عن زمانها وأسلوبها وطريقة التفاعل مع العوامل المحيطة بها.. يستطيع المرء من خلالها أن يراقب المرشح الطامح للرياسة عن قرب. ويكتشف طريقة تفكيره ومنهجه العقلى والنفسى. كما يستطيع أن يحكم على قدرته على التحليل والخيال والرؤية الشاملة.

 

وفى اعتقادى أننا بحاجة لمناظرة رياسية أخرى بين أكثر اثنين متقدمين فى استطلاعات الرأى قبل يومين من الانتخابات!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات