التحرك الخارجى للرئيس مرسى - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحرك الخارجى للرئيس مرسى

نشر فى : الثلاثاء 14 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 مايو 2013 - 8:00 ص

زار الرئيس محمد مرسى البرازيل فى بداية الأسبوع الثانى من مايو. منذ قرون مضت والبرازيل هى بلد المستقبل نظرا للثروات الهائلة الموجودة على سطح إقليمها الشاسع وفى جوفه. استوعبت البرازيل عشرات الملايين من المهاجرين من أوروبا وإفريقيا، ومن شرقنا العربى ومن آسيا. وعلى الرغم من عدم إدماج كل السكان الأصليين فى المجتمع، ومن أن التميز الاقتصادى والاجتماعى بقى مركزا بين بعض السكان البيض من احفاد المهاجرين من البرتغال وغيرها من بلدان أوروبا ومن شرقنا العربى نفسه، فإن البرازيل لبوتقة انصهر فيها المهاجرون من كافة الأجناس والأعراق والأديان. بجهود حثيثة فى العقدين الأخيرين، على الأقل، صارت البرازيل اليوم سابع أكبر اقتصاد فى العالم قدراتها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية هائلة. والبرازيل هى الشريك الأكبر فى أنجح التجمعات التكاملية بين البلدان النامية ألا وهو السوق المشتركة لبلدان جنوب أمريكا الجنوبية المعروف بالمركوسور. والبرازيل هى البلد النامى الوحيد الذى لا يوجد خلاف عليه عندما يناقش توسيع العضوية الدائمة فى مجلس الأمن. فى آسيا، وبالرغم من قوة الحجة المساندة للهند، فإن باكستان تنازعها المقعد الدائم الثانى باعتبار أن الأول لليابان. وفى إفريقيا التنافس قائم على مقعدين بين مصر وجنوب إفريقيا ونيجيريا. أما فى أمريكا اللاتينية فالنقاش هو حول المقعد الثانى، هل المكسيك أم الأرجنتين الأجدر به، أما مقعد البرازيل فهو مسلم به. لا غبار على تقدير الرئيس مرسى لأهمية زيارة البرازيل، القوة الصاعدة بثبات فى العالم كله، وبصرف النظر عن تجاربها الرائدة فى السياسات الاجتماعية والحد من الفقر، فهى تجارب استلهمتها برامج مصرية، وتعلمت ونقلت منها بالفعل منذ عدد من السنوات. الرجاء أن يكون الرئيس مرسى قد محا بزيارته من ذاكرة البرازيليين مغادرة الرئيس السابق لمصر فى ديسمبر 2003 لحضور مؤتمر دولى فى مدينة أوروبية، مخلِفا وراءه فى القاهرة الرئيس البرازيلى السابق لويس إيجناسيو دا سيلفا «لولا».

 

●●●

 

ومع ذلك، فإن المراقب لا يملك إلا التساؤل عن السياسة الخارجية وأولوياتها وعن تصور العلاقات الدولية الذى ينشأ عنهما اختيار رئيس الجمهورية للدول التى يزورها وترتيب هذه الزيارات ومجمل تحركه الخارجى. المقصود بزيارات رئيس الجمهورية هى الزيارات الثنائية التى تنم عن اهتمام مقصود بالدولة التى يزورها وبالعلاقات معها، وبتوظيف هذه العلاقات لخدمة المصالح المصرية الأساسية. زيارات طهران ونيويورك وأديس أبابا وبريتوريا والرياض والدوحة كانت بمناسبة انعقاد مؤتمرات لمنظمات أو تنظيمات دولية. أما الزيارات الثنائية فكانت لألمانيا والاتحاد الأوروبى وإيطاليا وتركيا والهند وباكستان وروسيا وأخيرا للبرازيل. السعودية والسودان هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان زارهما الرئيس مرسى بنسبة 18 فى المائة من البلدان التى زارها ثنائيا، وأوغندا هى البلد الإفريقية الوحيدة بنسبة 9 فى المائة من البلاد التى زارها زيارات ثنائية! الأرجح هو أن أحدا لا يجادل فى ضرورة أن تكون العلاقات مستمرة ووثيقة مع القارة الأوروبية التى يربطنا بها تاريخ طويل اختلط فيه التعاون بالصراع. ولا يسع المراقب إلا أن يغتبط من الاهتمام بالصين، القوة المتعاظمة فى النظام الدولى، وبالهند، القوة الصاعدة، التى تعود صلاتنا الحديثة والخاصة بها إلى فترة مكافحة الاستعمار البريطانى، أو بباكستان وهى الدولة الاسلامية الكبرى. ولكن، ألا تنظر مصر إلى نفسها، وكما يقول دستوراها السابق والحالى، على أنها دولة عربية وإفريقية؟ أو لا تستمد مصر قوتها فى النظام الدولى من وزنها فى العالم العربى وفى قارتها الإفريقية؟ ألم يكن مفيدا أن يزور رئيس الجمهورية المغرب والجزائر، وأن يتوجه إلى العراق وربما لعب دورا توفيقيا فيه بين فرقه المتناحرة دور يعلى من شأن مصر ويزيدها قوة بعد ذلك فى علاقاتها بالبرازيل وبغيرها؟ وألم يكن من الأولويات الاستراتيجية أن يزور الرئيس مرسى نيجيريا مثلا، نيجيريا ذات الوزن السكانى الأكبر فى أفريقيا وصاحبة النفوذ فى غرب القارة وفى غيرها من أقاليمها؟ ألم يكن من المناسب أن يزور كينيا، ذات النفوذ فى شرقى القارة والتى يقع فى إقليمها واحد من منابع نهر النيل؟ ولماذا لم يفكر الرئيس فى زيارة السنغال وشعبها ذى الإسلام البشوش الذى كان من شأنه أن يحتفل برئيس مصر كما يحتفل بالفاتحين؟ وضع إفريقيا ضمن أولويات التحرك الخارجى للرئيس مرسى كان سيعنى اهتماما بالقارة لن تخطئه بلدانها، تماما كما أنها لم تخطء فهم تعالى الرئيس السابق عليها. إدراك البلدان الأفريقية لاهتمام الرئيس بها كان من شأنه أن ينعكس تلقائيا تقوية لموقف مصر التفاوضى بشأن مياه نهر النيل.

 

●●●

 

وحتى يكون للتحرك الخارجى للرئيس مرسى آثاره طويلة الأمد على رفاهة مصر وعلى موقعها فى النظام الدولى فإنه لا بد أن يستند إلى فهم مشترك لمبادئ هذا النظام ولقيمه مع البلدان التى يزورها. ولكن كيف يمكن أن يكون ثمة فهم مشترك بينما كان موقف مصر الرئاسية من وثيقة الأمم المتحدة عن مقاومة العنف ضد المرأة هو الموقف المناوىء الذى عرف عنها فى حينه؟ كيف يمكن أن يكون ثمة فهم مشترك والصور المنشورة عن لقاء الرئيس بالجالية المصرية فى ساو باولو ــ فى بلد رئيستها امراة ــ لم تظهر فى صفوفها الثلاثة الأولى أى امرأة باستثناء مساعدة رئيس الجمهورية؟! وليس مفهوما ما هو موقف الحكم فى مصر من المنظومة الدولية لحقوق الإنسان التى تتمسك بها بلد مثل البرازيل. كما أن موقف مصر من الاقتصاد العالمى المعتل فى الشمال والجنوب معا، ومن تحرير هذا الاقتصاد ليس معروفا، بينما للبرازيل، مرة أخرى، موقف محدد تمليه عليها مصالحها كقوة بازغة، وهو موقف تنسق بشأنه مع القوى التى تشبهها وهى روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا (البريكس). ثم هناك المسألة الأكبر فى الفهم المشترك لمبادئ النظام الدولى وقيمه ألا وهى مسالة الخلافة الإسلامية. الهدف من الخلافة هو أن يوجد خليفة للمسلمين وليس للدول الإسلامية. بعبارة أخرى الهدف هو أن يكون ولاء المسلمين البرازيليين مثلا لخليفة المسلمين فى القاهرة، أو فى غيرها، ولا يكون للدولة البرازيلية ولرئيستها أو رئيسها؟! أغلب الظن أن لا أحد فى البلاد التى يزورها الرئيس مرسى يسأله إن كانت الخلافة هى حقا هدف حكمه طويل الأجل أم لا، لأنهم لا يأخذون الكلام عن إقامة الخلافة مأخذ الجد. وأغلب الظن كذلك أن الرئيس مرسى نفسه لم تخطر الخلافة بباله عندما زار البرازيل، ومن قبلها عندما أخذه ترحاله إلى ألمانيا أو الصين أو الهند.

 

●●●

 

يبدو للمراقب أن التحرك الخارجى المستمر لرئيس الجمهورية منذ توليه منصبه فى شهر يوليو 2012 هو أولا لتعزيز الاعتراف به، فى منصبه، وبشرعية فصيله السياسى قبل أن يكون لخدمة أهداف السياسة الخارجية، غير المعروفة حتى الساعة، والتى لم يساعد ترتيب الزيارات الخارجية على فهمها.

 

من المفيد أن يصدر عن رئاسة الجمهورية أو عن وزارة الخارجية بيان عن السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس مرسى، خاصة عن أهدافها ومبادئها وأولوياتها وأن تستند هذه السياسة إلى نظرة للعلاقات الدولية وللنظام الدولى نظرة لا يختلف الإعلان عنها فى داخل مصر وخارجها لتكون النظرة صادقة وليحوز القائلون بها الاحترام والثقة، إذ لم يعد ممكنا فى عالم اليوم تقديم الروايات المختلفة عن الواقع ذاته بتعدد أماكن روايتها. عندئذ فقط سيمكن لرئيس الجمهورية أن يرتِب زياراته بما يخدم السياسة الخارجية المصرية وسيستطيع المراقب أن يفهم المنطق من وراء هذا الترتيب.

 

 

 

أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة     

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات