أمواج متلاطمة فى السياسة الدولية - جميل مطر - بوابة الشروق
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 1:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

أمواج متلاطمة فى السياسة الدولية

نشر فى : الخميس 14 يونيو 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الخميس 14 يونيو 2012 - 8:50 ص

المياة مضطربة فى محيط السياسة الدولية، ولفرط اضطرابها يجب أن نتوقع اضطرابا أشد فى مياه المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام. وأظن أنه لا توجد مبالغة كبيرة فى الاعتقاد السائد بأن أزمة سوريا سوف تتفاقم وتهدد ما تبقى من استقرار فى أقاليم عربية أخرى إذا لم تسرع الأطراف السورية والمجتمع الدولى بالعمل معا لوقف التدهور. لا شك فى أن جانبا من هذه الأزمة يعود إلى حقيقة أن سوريا جزء لا يتجزأ من حالة ثورية عامة فى العالم العربى، ولا شك أيضا فى أن جانبا آخر يعود إلى أن العالم يشهد تحولات جوهرية تدفع بدورها الدول الكبرى لتكون أشد حرصا وحكمة فى التعامل مع أزمات من هذا النوع.

 

●●●

 

أجازف باقتراح سببين رئيسيين يفسران هذه الحالة الدولية المضطربة، أولهما الأزمة الاقتصادية العالمية التى انطلقت من الولايات المتحدة فى عام 2007، عام الحملة الانتخابية التى جاءت بباراك أوباما إلى قمة السلطة فى واشنطن واندفعت فى شكل ريح قوية تهز قواعد وأسس منطقة اليورو، وتهدد استقرار ومعدلات النمو فى اقتصادات أخرى فى العالم.

 

كان الظن ــ وإن لم أكن من المتحمسين له ــ أن الأزمة لن تتجاوز تأثيراتها المزيد من التدهور فى الاقتصاد الأمريكى انتهاء بحالة ركود مر بمثيلتها من قبل وخرج منها أقوى مما كان. بمعنى آخر، كان الظن أن الأزمة ليست أكثر من تطور عابر يستطيع النظام الاقتصادى العالمى تداركه وتجاوزه بدون أخطار جسيمة. لم يتصور المسئولون فى هذا النظام الاقتصادى العالمى، وبينهم عدد من كبار المسئولين فى المؤسسات الاقتصادية والمالية والدولية، أن هذه الأزمة قد تحمل فى طيات انطلاقها وتطورها مكونات تسمح لها بأن تصبح فى حد ذاتها «قوة تحول» فى مسيرة الاقتصاد العالمى وليس فقط ظاهرة طارئة أو عابرة، ولن تكون بالتأكيد قاصرة على دول منطقة اليورو والولايات المتحدة.

 

●●●

 

كنت أقرأ صباح الأمس بعض الأرقام التى يمر عليها  الإعلام الأمريكى مر الكرام فلا يتوقف عندها، بخاصة فى الشهور الأخيرة. توضح هذه الأرقام أن الاقتصاد الأمريكى ليس أفضل حالا أو أقل سوءا من الحالة فى عدد من الدول الأوروبية المهددة بإعلان إفلاسها. جاء فى الأرقام أن عجز الموازنة الأمريكية صار يمثل 8.6٪ من الناتج القومى، بينما هو فى اليونان، الدولة الأكثر قابلية للسقوط، لا يتجاوز 9.1٪، وأن الدين القومى الأمريكى تجاوز نسبة مائة وثلاث بالمائة من الناتج القومى أى بنسبة الضعف، وهى نسبة تقل قليلا عن البرتغال التى طلبت فى العام الماضى إنقاذها من الإفلاس، وتزيد على إسبانيا 58٪ وهى الدولة التى طلبت عند نهاية الأسبوع إنقاذها.  وبالتأكيد هى حالة ليست بعيدة جدا عن حالة الدين الإيطالى وحجمه  1.9 تريليون يورو. وتنبئ الأخبار الواردة من هناك بأن الحالة الإيطالية تعصى على التحسن رغم وجود حكومة تكنوقراط. يتردد أن هذه الحكومة توشك أن تعلن عجزها واستعدادها للتخلى عن المسئولية.

 

كان الظن أيضا، أنه طالما ظل الاقتصاد الصينى قويا، فإن الخوف على الاقتصاد الرأسمالى العالمى غير مبرر، لأن «الآلة» الصينية قادرة ولسنوات طويلة قادمة، على تشغيل الاقتصاد العالمى وتعويض خسائره ومساعدته بإقراض الدول العاجزة أو إنقاذها. لم يدر فى حسبان الكثيرين أن الاقتصاد الصينى المستفيد من العولمة والمندمج فيها بكل طاقته معرض للإصابة بأمراضها. لذلك لم يعد الغرب يخفى قلقه بعد أن بدأت تظهر على الاقتصاد الصينى بوادر انكماش داخلى وتضخم فى الميل للاستهلاك وتراجع فى القدرة التصديرية.

 

●●●

 

السبب الثانى الذى أحمله جانبا من مسئولية الاضطراب فى السياسة الدولية هو هذا التصعيد المتعمد والمبالغ فيه فى النشاط العسكرى لعدد من الدول الكبرى، بخاصة الولايات المتحدة وروسيا والصين. أعود إلى التذكير بأن العقل السياسى الغربى ليس غافلا عن واقعة تاريخية تتصل بحالات الكساد، وهى أن حربا عالمية مدمرة نشبت بسبب، أو فى أعقاب أو فى ظل، أزمة اقتصادية عالمية انطلقت فى الثلاثينيات من القرن الماضى من الولايات المتحدة وعبرت الأطلنطى إلى أوروبا، وهناك اندلعت الحرب العالمية الثانية.

 

ازداد مؤخرا عدد المحللين السياسيين الذين يربطون بين الأزمة الراهنة، وهى ليست أضيق اتساعا أو أقل خطورة من أزمة القرن الماضى، وبين عودة المجمعات الصناعية العسكرية فى كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين إلى تشغيل طاقتها كاملة، بحجة الاستعداد لمواجهة أوضاع استراتيجية استجدت فى شرق آسيا والمحيط الهادى. بمعنى آخر تتجدد عملية صنع «عدو جديد» بعد أن تم إخضاع «الإرهاب الإسلامى» والقضاء على مصادره ونقل عملياته إلى أقاليم يمكن السيطرة عليها بدون اللجوء إلى حشد حلف دولى فى حرب عالمية ضد الإرهاب، كما فعل الرئيس بوش. هل يقف وراء حشد الموارد لأغراض الاستعداد لحرب حقيقية أو وهمية هدف إنعاش الاقتصاد عن طريق زيادة الإنفاق على التسلح؟.

 

●●●

 

المثير للانتباه أن يتصادف مع هذا التصعيد ثلاث حملات دبلوماسية وإعلامية هائلة. هذه الحملات هى أولا: حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية خاصة أنصار أوباما لإعادة تقديمه إلى الناخب الأمريكى فى صورة «رئيس مقاتل وصعب المراس».

 

ثانيا: حملة الترويج لفكرة انتقال مركز الاهتمام الدولى من أوروبا إلى المحيط الهادى وشرق آسيا، بما يتبع هذا الانتقال من تحول جذرى فى استراتيجيات الحرب والأسلحة المبتكرة وإجبار الصين وروسيا على الدخول فى سباق باهظ التكلفة فى مجال صناعة الأسلحة وتطوير تكنولوجيا دفاعية متقدمة. وقد أجريت فى الأسبوع الماضى تجربة لهذا النموذج من التكنولوجيا المتطورة ضد حواسيب المعامل النووية الإيرانية، وأعتقد أنها أزعجت كثيرين من صانعى السياسة فى دول عديدة.. قد يكون من الضرورى لفهم أبعاد هذا السباق دراسة الخطط الأمريكية المطروحة الآن بالقوة نفسها التى طرحت بها خطة حرب النجوم فى عهد الرئيس ريجان. من بين هذه الخطط، أو ربما تتصدرها، خطة يطلقون عليها «معركة جو ـ بحر»، وهى خطة تهدف إلى السيطرة على الساحة الباسيفيكية وشرق آسيا وقد اقتبستها وزارة الدفاع الأمريكية من لعبة آتارى الشهيرة بالاسم نفسه فى الثمانينيات من القرن الماضى.

 

ثالثا: حملة سياسية ودبلوماسية واسعة هدفها الرئيس الإعداد لخروج سلمى وهادئ للقوات الأمريكية وما تبقى من قوات الحلف الأطلسى الموجودة فى أفغانستان. تهدف أيضا إلى تمهيد الساحة لتحقيق درجة من الاستقرار الإقليمى وترتيب توازن قوى جديد فى منطقة وسط آسيا. المهم فى هذا التوازن أن يضمن لحلفاء أمريكا نفوذا أقوى ويحقق الأمن للمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة فى أفغانستان.

 

●●●

 

هذه التطورات وغيرها فى الساحة الدولية تستحق اهتماما خاصا وتركيزا مناسبا من جانب الدبلوماسية المصرية وغيرها من الدبلوماسيات العربية وعلماء السياسة لما تؤذن به من عواقب وآثار مباشرة على الأمن والسلم فى منطقة الشرق الأوسط.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي