ضرورة دراسة آثار القرار قبل إصداره - صفوت قابل - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضرورة دراسة آثار القرار قبل إصداره

نشر فى : السبت 14 يوليه 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : السبت 14 يوليه 2018 - 9:35 م

من المفترض أنه قبل اتخاذ أى قرار أن تتم دراسة آثار هذا القرار سواء الإيجابية وهو ما يسعى له أى قرار أو السلبية للعمل على تلافيها، ولكن يلاحظ أن المسئولين فى كثير من المشاكل يهتمون بمعالجة المشكلة التى يعانى منها قطاع محدد دون الاهتمام بالآثار السلبية التى ستترتب على ما يتخذونه من قرارات، ومثالا على ذلك ما تم اتخاذه فى قطاع الزراعة من خفض المساحة المسموح بزراعتها أرز ثم استيراد كميات منه، وكانت البداية فى إبريل الماضى عندما صدر قانون وقرار يخصان القطاع الزراعى لعلاج مشاكل محددة دون بيان كيف يتم تلافى الآثار السلبية على ما صدر من قرارات، وهو ما نعرض له فيما يلى:
أولا: تعديل بعض أحكام قانون الزراعة:
حيث أصبح لوزير الزراعة طبقا للسياسة العامة التى تقررها الدولة بقرار منه، بعد التنسيق مع وزير الموارد المائية والرى، أن يحظر زراعة محاصيل معينة فى مناطق محددة.
ومن الواضح أن هذا التعديل يهدف إلى تخفيض مساحات المحاصيل التى تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الأرز وقصب السكر وذلك استعدادا لمزيد من الفقر المائى بعد بناء سد النهضة، ولكن الحكومة لم توضح لمواطنيها كيف ستواجه الآثار السلبية لهذا القرار والتى منها:
1ــ بعد تقليص مساحات الأرز المنزرعة من 1,1 مليون فدان العام السابق إلى 724 ألف فدان هذا العام، لم يهتم المسئولون بتحديد الزراعات البديلة والتى تفيد الاقتصاد القومى والفلاحين فى ذات الوقت، فماذا سيزرع الفلاحون وما هى المحاصيل البديلة التى يمكن زراعتها وتحقق مستوى دخل مناسب، لأنه لا يمكن التوسع فى زراعة الخضراوات؛ حيث إن السوق لا تحتاج كميات كبيرة منها ما يؤدى إلى انهيار الأسعار وخسارة الفلاحين، وبالطبع فلا يمكن استبدال محصول رئيسى فى الاستهلاك بمحاصيل ليست هامة فى الاستهلاك، ولا يمكن القول بأنه سيتم تصدير المحاصيل التى سيتم زراعتها حيث هناك عديد من الدول تحظر دخول بعض الخضراوات والفواكه المصرية بدعوى وجود بواقى مبيدات بها ولا تصلح للاستهلاك.
2ــ ماذا ستفعل الحكومة مع حوالى 900 من مضارب الأرز يعمل بها آلاف العاملين وفى ماذا يعملون بعد انخفاض حجم الأرز، ونفس الحال بالنسبة لمصانع السكر وأغلبها مصانع حكومية وقامت الحكومة بتحديث معداتها منذ سنوات قليلة، هل تتحمل الحكومة المرتبات دون عمل لهذه المصانع ثم تقول إنها تخسر لتبرر عرضها للبيع، وهل درست الحكومة حجم الصناعات المرتبطة بهذه المحاصيل وماذا سيترتب على إغلاقها مثل مصانع العسل الأسود وهل سنتحول إلى استيراده بعد تقليل زراعة قصب السكر؟
3ــ يرى المتخصصون أن أراضى المحافظات الساحلية تحتاج إلى زراعة الأرز لتقليل درجة ملوحة الأراضى فإذا زُرعت بمحاصيل أخرى فستكون إنتاجيتها منخفضة ما يعود بالخسارة ليس على المزارعين فقط بل على حجم الإنتاج المحلى.
4ــ من المعروف أن إنتاج الأرز كان يكفى الاستهلاك المحلى ويفيض جزء للتصدير، بينما السكر نستورد حوالى 25% من الاستهلاك، وبعد خفض المساحات المنزرعة بالأرز وقصب السكر فسوف يزداد حجم الاستيراد، وبالتالى يزداد الطلب على العملات الأجنبية ما يزيد من أسعارها، وبالتالى تزداد الأسعار محليا فهل يقدر الاقتصاد على توفير المزيد من العملات الأجنبية لهذا الكم الكبير من الواردات وهل يقوى المستهلك المصرى على تحمل المزيد من زيادات الأسعار؟
5ــ رغم أن الحكومة كانت تُصدر قرارات بمنع تصدير الأرز إلا أنها كانت دائما تتراجع وتسمح بالتصدير بعد دفع رسوم على كل طن يتم تصديره، ورغم ذلك كان تهريب الأرز عبر الحدود إلى ليبيا مستمرا، فهل ستستطيع الحكومة وقف التصدير والتهريب، أم ستسمح بالتصدير بالحجة المعتادة أن سعر التصدير أكبر من سعر الاستيراد، وهو ما فعلته الحكومة العام السابق حينما سمحت بالتصدير مقابل استيراد أرز هندى رخيص السعر ولم يتقبله المستهلك المصرى ما جعل الحكومة تفرضه على بطاقات التموين.
6ــ فى يوليو الحالى وافق الرئيس السيسى على السماح باستيراد الأرز، وذلك بعد تفاقم أزمة عدم توافر الأرز لبطاقات التموين (وهو ما كان متوقعا) حيث أحجم التجار عن توريد الأرز بعد ارتفاع سعره فى الأسواق، وبالتالى يقوم التاجر بدفع غرامة عدم التوريد ويطرح ما لديه فى السوق بالأسعار المرتفعة، أما الفقراء الذين يعتمدون على البطاقة التموينية للحصول على الأرز بسعر 6,5 جنيه للكيلو، فلماذا يأكلون الأرز ما داموا لا يملكون ثمنه فى السوق الحرة والتى وصل سعر الكيلو فيها إلى 15 جنيها.
ولن تقتصر السلبيات على مجرد زيادة الطلب على العملات الأجنبية نتيجة استيراد الأرز الذى كنا نصدره، بل هناك الفساد فى الاستيراد وتحكم مجموعة المحتكرين فى تحديد الأسعار مع استيراد الأنواع الرديئة لبطاقات التموين وهو ما حدث العام الماضى رغم تصريحات المسئولين بأن الاستيراد سيكون لأصناف مماثلة للأرز المصرى وهم أول من يعرف عدم حدوث ذلك، بل هناك من يبشر المصريين بأن الأرز الأمريكى سيكون على موائدهم، وبالطبع فلم يحدد الموائد التى تستطيع دفع ثمن هذا الأرز الأمريكى، رغم أن المشكلة فى توفير الأرز لبطاقات التموين والتى من المؤكد لن ترى الأرز الأمريكى، بل الخوف هو أن يزداد سعر الأرز والحجة جاهزة ارتفاع سعره فى الأسواق العالمية.
7ــ لن نتوقف عن التهليل لكل قرار للرؤساء دون مناقشة، أليس غريبا أن تخرج صحيفة كبيرة بعنوان «بعد قرار الرئيس السيسى: استيراد الأرز يحقق مكاسب كثيرة لمصر» من أين المكاسب والاقتصاد سيدفع المزيد من العملات الأجنبية التى لا يجدها، وكيف نكسب والآلاف سيتحولون للبطالة سواء فى المضارب أو الصناعات التى تعتمد على الأرز، ومن يكسب من ارتفاع الأسعار.
ثانيا: إنشاء مناطق صناعية بالقرى:
فى اجتماع مجلس المحافظين فى 26 إبريل الماضى بحث المجلس مشروع إنشاء مناطق صناعية بكل قرية على مساحة فدان لإنشاء مجمع صناعى عبارة عن ورش صغيرة تتيح فرص عمل لأهل كل قرية.
ومع التغيير الوزارى اجتمع رئيس الوزراء الجديد مصطفى مدبولى مع بعض رجال الأعمال وصرح بعدها رئيس اتحاد الصناعات المصرية، أنه تم بحث مشروع المناطق الاقتصادية للصناعات الصغيرة والمتوسطة «شغلك فى قريتك» موضحا أهمية المشروع فى توفير العمل لسكان القرى وخاصة الشباب والمرأة، وأنه قد سبق الحصول على موافقة بتخصيص 148 قطعة أرض لهذا المشروع، وطالب بالتعجيل فى توفير جميع الأراضى اللازمة.
ووفقا للخبرة فيما يحدث نتيجة ذلك فإن هذا الفدان سيجعل كل الفدادين المحيطة به تتحول إلى مقاهٍ ومحال تجارية، وإذا كان لدينا أكثر من أربعة آلاف قرية فإننا سنخسر أكثر من عشرين ألف فدان نتيجة هذا المشروع غير المدروسة آثاره، مع ملاحظة أن وزارة التموين هى الأخرى تريد مساحات لإنشاء ما يسمى بمناطق لوجستية للتجارة لكى تقوم المحال الكبرى بإنشاء فروع لها فى المحافظات، وهكذا يستمر نزيف الأرض الزراعية، بينما تقوم الحكومة بمحاولة استصلاح أراض تنفق عليها الملايين، وفى النهاية يستفيد رجال الأعمال من تحويل الأرض الزراعية إلى عقارات تحت يافطة شغلك فى قريتك وليس مهمًا نوعية هذا العمل، فالمقاهى تعد عملا مربحا ومحال الموبايلات تربح هى الأخرى وكلها أعمال أما الزراعة فلا نعرف ماذا نزرع.
هل أصبح قدرنا أن يكون حل المشاكل بخلق المزيد من المشاكل؟

صفوت قابل أستاذ الاقتصاد عميد تجارة المنوفية السابق
التعليقات