الشيخ سيد وجليلة أم الركب.. حب من طرف واحد - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 9:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشيخ سيد وجليلة أم الركب.. حب من طرف واحد

نشر فى : الإثنين 14 سبتمبر 2015 - 5:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 سبتمبر 2015 - 5:45 ص

كتبت من قبل عن «جليلة ام الركب»، معشوقة سيد درويش وفاتنته، التى ألهمته ألحانا وأغنيات خالدة، مثلت فتحا جديدا فى بوابة الموسيقى الشرقية التى كانت مغلقة أو تكاد، فشرعها الشيخ سيد على مصراعيها، كى تدخلها ريح الغرب، وبموهبته الفذة، مزج «النقيضين»، فأنتج لنا موسيقى هى الأروع والأخلد فى تراثنا كله.

وفى مثل هذه الايام، تحل علينا ذكرى هذه العبقرية الموسيقية الخالدة، ومرة أخرى، تحضرنى معها صورة جليلة أم الركب .

تعرف عليها الشيخ سيد فى حفلة زفاف كان يحييها، وكان قد أنهى للتو وصلة أولى من أغنياته، حين سمع ضحكة مجلجلة، وحين التقت عيناه بعينيها اشتعلت شرارة الحب من أول نظرة، وفورا أمسك بالعود وارتجل واحدة من روائعه الخالدة، طقطوقة «خفيف الروح».

ما لم يعرفه الشيخ سيد آنذاك، أن حبه لجليلة كان من طرف واحد، فقد كانت صاحبته لعوبا، غانية اعتادت أن تتلاعب بقلوب الرجال ومشاعرهم، فإذا اطمأنت إلى انقيادهم لها ووقوعهم تحت تأثيرها، لم تتوان عن ابتزازهم، فإذا حصلت من معشوقها الغافل على ما تريد، تركته إلى آخر لتواصل معه اللعبة ذاتها.

وبسبب مقدرتها الفذة تلك، منحها أصحابها من الغوانى لقب قاهرة الرجال، أما أهلها والمقربون منها فقد عرفوها باسم جليلة وابور الجاز.

هام بها الشيخ سيد حبا، وأثمر هذا الحب عددا من الألحان الخالدة بينها «أنا هويت وانتهيت» و«على قد الليل ما يطول» و«ضيعت مستقبل حياتى»، وحين ساقت عليه الدلال غنـَى «زورونى كل سنة مرة»، وظل حب جليلة هو غرامه الأوحد، وحين مارست معه لعبة الهجر والخصام، وقع فريسة للشرب والمخدرات ومات فى عز الصبا.

وحين نذكر جليلة، فمن المؤكد أن ذهنك ينصرف فورا إلى الجميلة هند رستم التى لعبت هذا الدور فى فيلم سيد درويش أمام كرم مطاوع، لكن الحقيقة أن الست جليلة التى عذبت هذه العبقرية الخالدة وجعلتها نهبا للمخدرات والكيف، كانت كتلة ضخمة من اللحم والشحم، عريضة الصدر، مدكوكة العنق، وهو النوع الذى كان يهواه الشيخ سيد على ما يبدو، ومع ذلك فنحن مدينون لها بهذا العطاء العبقرى لفنان الشعب.

كان سيد درويش مع المثـَال محمود مختار وآخرين، التعبير الفنى عن ثورة المصريين الكبرى فى عام 1919، تماما كما كانت دعوة طلعت حرب لاستقلال الاقتصاد وانشاء بنك مصر تعبيرا عن الجناح الاقتصادى للثورة، وجاء تجديده المذهل فى الموسيقى المصرية عبر مشاركته للوطنيين فى ثورتهم وجهادهم فى سبيل الاستقلال والدستور.

وبرغم أن سيد درويش فصل من السنة الثانية بالمعهد الابتدائى الأزهرى بسبب ممارسته للغناء، وكان عمره وقتها 13 سنة، فإنه لم يتنازل عن العمامة والجبة والقفطان لسنوات طويلة، وحتى حين ارتدى البدلة والطربوش، ظل ينادى بالشيخ سيد.

كان الغناء فى زمن سيد درويش لونا من الترف يمارس فى قصور الأغنياء والأمراء، وأكثره مما يخاطب الشهوات والغرائز المنحطة، وفى المقابل كانت هناك التواشيح والأذكار وحلقات الموالد، فلما جاء الشيخ سيد كان فتحا فى الموسيقى العربية، فكانت ألحانه انعكاسا حميما لحياة الناس الذين عاش بينهم، حيث عمل وسط البنائين والصنايعية، وعاشر طوائف الشعب العائشين على أكتافهم يوما بيوم واستمد منهم ألحانه الخالدة.

ولعلك تذكر أن أسرة سيد درويش، شككت فى أسباب وفاته، مؤكدين أنها كانت جنائية، واتهموا القصر والانجليز بقتله، ونفوا موته بجرعة مخدرات زائدة كما نعرف.

وأيا ما كانت الأسباب فإن الحقيقة الباقية، وبصرف النظر عن حكاية الست أم الركب، هى أن سيد درويش ورفاقه كانوا ثمار ثورة شعبية حقيقية، ونتاج مناخ سياسى واجتماعى أشمل، أفرز عباقرة فى الأدب والمسرح والموسيقى والغناء والفكر الدينى والفلسفى والاجتماعى والسياسى، وتلك هى طبيعة الثورات الحقيقية، حتى لو لم تحقق أهدافها السياسية المباشرة.

رحم الله الشيخ سيد..

ومتشكرين جدا ياست جليلة.. أم الركب .

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات