أنا - خريج - توك توك - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنا - خريج - توك توك

نشر فى : الجمعة 14 أكتوبر 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الجمعة 14 أكتوبر 2016 - 10:10 م
أسئلة مباشرة ومشروعة طرحها الرجل الحزين على ما آلت إليه أوضاع مصر.

هل يمكن للبلاد أن تتقدم وأغلبية ناسها تعانى من سوء الخدمات التعليمية المقدمة لها ومن تدهور الرعاية الصحية التى تحصل عليها؟

هل يمكن لمشروعات كبرى من توسعة مجرى قناة السويس إلى العاصمة الإدارية الجديدة أن تنقذنا من كارثة أغلبية باتت جاهلة ومريضة وفقيرة؟

كيف للحكومة أن تطالب الناس بشد الحزام والاقتصاد فى النفقات بل وبالادخار فى ظل ظروف معيشية صعبة للغاية، بينما هى تنفق المال العام دون رقيب أو حسيب كما فى احتفالية «150 عاما على الحياة النيابية» التى أجريت منذ أيام فى مدينة شرم الشيخ وشاركت به وفود عربية ودولية مع رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب للاحتفاء بتاريخ نيابى يضرب به البرلمان الحالى عرض الحائط؟ كيف للحكومة أن تنفق ملايين الجنيهات على «احتفالية» بينما أغلبية الناس لا تجد لا الأرز ولا السكر ولا غيرهما؟

كيف للناس أن تصدق وعود العدالة الاجتماعية والديمقراطية والوطنية التى تتكرر مع كل انتخابات (وإشارة الرجل كانت إلى الانتخابات الرئاسية) دون أن تترجم إلى واقع ملموس يشعر به الناس؟ وكيف للأغلبية أن تثق فى اهتمام الحكومة بظروفها المعيشية وأنين الناس بسبب ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية واختفاء بعضها الآخر ومحدودية الدخل ومحدودية فرص العمل لا يجد من يتعامل معه بجدية؟ وكيف للأغلبية أن تثق فى الحكومة وسياساتها تتناقض مع شعارات العدالة الاجتماعية والوطنية؟

هل يمكن أن تلام الأغلبية على الحنين إلى فترات سابقة كانت الظروف المعيشية بها أفضل من الآن أو على الضجر من حديث العدالة الاجتماعية والوطنية والانصراف عنه لكونه ليس غير ضجيج بلا طحين؟

كيف لمصر بمؤسسات دولتها من الرئاسة والبرلمان والمؤسسات الأمنية إلى الوزارات الكثيرة أن تنزلق إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة الراهنة دون حلول أو مخارج؟ وكيف للإعلام أن يرسم ملامح نهضة لا يشاهدها أحد فى الواقع المعاش، وهل ينتظر أحد متابعة شعبية أو تصديقا عاما لمثل هذه المبالغات؟

هل هانت مصر على الحكومة لتتركها فى هاوية الجهل والمرض والفقر ولتدعها لاستعلاء الجيران فى الخليج، وهل هانت على أهلها لكى لا يتحرك الناس لإيقاف السياسات والممارسات الخاطئة للحكومة؟ هل نسينا تاريخ بلادنا التليد وصرنا نقبل امتهان كرامتها وكرامتنا؟

لا تملك الحكومة إجابات مقنعة عن الأسئلة المباشرة التى حملها تسجيل تليفزيونى لا تتجاوز مدته ثلاث دقائق وشاهده مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعى بكثافة خلال الأيام الماضية. ولن يذهب بالحكومة بعيدا أن تدعى غير ذلك، أو أن تقلل عبر أذرعها الإعلامية من كون أسئلة السائق المحترم قد عبرت عما يشعر به قطاع واسع من المصريات والمصريين أو أن تتهمه بنشر التشاؤم. ومع بالغ الأسف، ليس للحكومة بتركيبتها الراهنة التى تختزل مبادئ العدالة الاجتماعية والديمقراطية والوطنية فى شعارات تحتكرها هى وتنزعها عن الآخرين القدرة على تجاوز الاستعلاء والإنصات إلى مطالب التغيير المشروعة، من تغيير وجهة السياسات الاقتصادية والاجتماعية إلى احترام القانون وإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان والحريات ورفع الظلم عن الناس، من فرض التقشف على المؤسسات الحكومية ومحاربة الفساد إلى إعطاء الأولوية لإحداث تطور حقيقى فى مجالات التعليم والرعاية الصحية.

لا تملك الحكومة إجابات مقنعة وليس لها أن تتحلى بالقدرة على ممارسة النقد الذاتى وإحداث التغيير، لكونها باختصار اختارت طريق قمع المواطن وإخضاع المجتمع لإرادتها عوضا عن ضمان حرية الأول والدخول فى شراكة حقيقية مع الثانى. لا تجد بلدان شبيهة بمصر، من حيث التركيبة السكانية والموارد المتاحة ووضعية المؤسسات العامة والخاصة، سبيلها إلى التقدم الذى يخرج الناس من الفقر ويحميهم من الجهل والمرض ويوفر لهم فرصا للعمل والترقى الاقتصادى والاجتماعى دون حضور حكومة تحترم العدل وسيادة القانون وتضمن الحقوق والحريات. ليست الدولة هى مصنع التقدم والتنمية، بل هو المواطن الفرد الذى يتعين ضمان حقوقه وحرياته لكى تطلق طاقات مبادرته الخاصة ويتشكل من حوله قطاع خاص يصنع فرص العمل ويرفع الإنتاجية وينافس لإخراج الناس من الفقر. ليست المؤسسات العامة هى المنوطة بتحقيق وصون العدالة الاجتماعية، بل هو المجتمع المدنى المستقل القادر على الدفاع عن مصالح الناس المتنوعة أحيانا والمتناقضة فى الكثير من الأحيان والباحث دوما عن القواسم المشتركة التى تضمن تماسك البلاد.

لا تملك الحكومة إجابات مقنعة وليس لها أن تتحلى بالقدرة على ممارسة النقد الذاتى وإحداث التغيير، لكون استعلائها بات عاملا جوهريا فى تركيبتها التى لا تخجل من توظيف المؤسسات الدينية الرسمية لبناء شرعية زائفة ولا تكف عن الاستهزاء بالأصوات المعارضة بسلمية والناقدة بموضوعية تارة بتجريدهم الظالم من الانتماء الوطنى وتارة باتهامهم بالعجز عن توفير حلول لأزمات مصر الكثيرة التى لا قبل لغير المؤسسات النظامية للدولة بالتعاطى معها. بات الاستعلاء الحكومى عاملا جوهريا فى إسكات أصوات المطالبين بتوزيع عادل للأعباء الاقتصادية والاجتماعية بين الأغلبية الفقيرة والأقلية ميسورة الحال، وفى إغلاق الفضاء العام لكى لا ترتفع أصداء الحديث عن حتمية إنهاء الظلم وإقامة العدل وغل يد الحكومة عن انتهاك حقوق وحريات الناس إذا أردنا بالفعل تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة وإحياء سياسة تعددية لا غنى عنها لترشيد ممارسات الحكومة.

لا تملك الحكومة إجابات مقنعة وليس لها أن تتحلى بالقدرة على ممارسة النقد الذاتى وإحداث التغيير، لكونها تستند وجوديا إلى الادعاء باستطاعة «البطل المنقذ» / «الزعيم المخلص» / «الديكتاتور المستنير» الذى ساقته الأقدار ــ النجاة بالبلاد وإخراجها من أزماتها بمفرده. فمثله فى استغناء تام عمن يفكر معه وليس لأحد بالطبع أن يسائله أو يحاسبه، وهو لا يحتاج سوى لمؤسسات قوية (المؤسسات النظامية) ولمعاونين مخلصين (تقدمهم أيضا المؤسسات النظامية) لكى يحقق فعل الإنقاذ الوطنى والخلاص المنشود. على الرغم من الغياب التام لمصداقية مثل ذلك الادعاء، إن بالنظر إلى تاريخنا أو إلى واقعنا الراهن خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن الحكومة لا تبدو فى وارد التراجع عنه أو ترشيده بإحياء السياسة التعددية (ولو على نحو جزئى) وبإنهاء الحصار على المجتمع المدنى (ولو على نحو جزئى أيضا) وبإعادة فتح مساحات لحرية التفكير والتعبير داخل الفضاء العام كما أن مصالح الحكومة ومصالح المؤسسات النظامية التى ترتكز إليها تدفع بذات الاتجاه.

أسجل ذلك حزينا على ما آلت إليه أوضاع مصر، ومتمنيا ككل مصرية ومصرى أن تستفيق الحكومة فتوقف القمع وتسقط عن كاهل المجتمع العبء الثقيل لاستعلائها وتبتعد عن ادعاءات البطولة المنقذة وتنفتح على عمل جماعى حقيقى لإخراج البلاد من أزماتها جوهره تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية والعدل وضمان الحقوق والحريات.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات