فى تذكر الأستاذ السيد ياسين.. تحديات مجتمع المعرفة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 10:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى تذكر الأستاذ السيد ياسين.. تحديات مجتمع المعرفة

نشر فى : الجمعة 14 أكتوبر 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الجمعة 14 أكتوبر 2022 - 7:15 م

جيد أن تلتفت بعض الحكومات العربية إلى فجوة المعرفة الفاصلة بيننا وبين عوالم الغرب الأمريكى والأوروبى وآسيا الناهضة. جيد أيضا توجه بعض الدول العربية لرفع معدلات الإنفاق الحكومى فى مجالى التعليم والبحث العلمى. إلا أن اللافت للنظر هو الغياب شبه الكامل للنقاش العام العربى حول مفهوم مجتمع المعرفة الذى كان الأستاذ السيد ياسين رحمه الله (١٩٣١ ــ ٢٠١٧) من المفكرين القلائل الذين تناولوه فى كتاباتهم.
ثلاثة عناصر رئيسية تصيغ حقيقة مجتمع المعرفة بكونه أضحى يفرض نفسه فى اللحظة الراهنة ظرفا موضوعيا لتحديد فرص الجماعات البشرية من النجاح أو الفشل:
أولا، تحول المعرفة بمكوناتها العلم والتكنولوجيا وتطبيقاتهما الفعلية إلى الخيط الناظم الرئيسى للحياة المعاصرة.
ثانيا، تجاوز وضعية الإنسان الفرد لحقائق العقود الماضية وبها اقتصر تلقى المعرفة فى الأغلب الأعم على الشكل المؤسسى المتمثل فى مراحل التعليم المتعاقبة واتجاهها نحو نمط جديد يصبح معه تحصيل المعرفة ضرورة حياتية متجددة باستمرار.
ثالثا، تواكب إمكانات التقدم والتنمية المستدامة التى يطرحها الانتقال إلى مجتمع المعرفة مع تبلور مخاطر اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة نراها اليوم على سبيل المثال فى تداعيات جائحة كورونا والآثار العالمية الخطيرة للحرب الروسية على أوكرانيا.
التفكير فى معانى هذه العناصر الثلاثة يظهر بجلاء أن التحديات التى يطرحها مجتمع المعرفة على العرب لا ينبغى اختزالها فى مجرد السعى نحو تحديث مجالى التعليم والبحث العلمى، بل تتخطاها إلى إعادة تنظيم حياة الأفراد وقطاعات المجتمع ككل لتعبر عن مركزية العلم والتكنولوجيا وتطبيقاتهما الفعلية فى الحياة المعاصرة. جوهر الأمر، إذا، هو البحث فى تدابير فعالة لدفع المجتمعات العربية تدريجيا نحو عصرنة شاملة تتعامل مع مجتمع المعرفة كمنظومة كاملة لا تقتصر على الجامعات ومراكز الأبحاث، بل تطال الاقتصاد والسياسة والثقافة والخدمة العامة وغيرها.
• • •
من جهة أخرى، من الخطأ النظر إلى مجتمع المعرفة بكونه بشارة خلاص وسعادة بشرية وحسب. فحقائق التقدم والتنمية التى نراها اليوم ماثلة فى حواضر الشمال وبعض حواضر الشرق وتبهرنا إلى حد الرغبة فى استنساخها فى بلادنا، لتلك الحقائق أوجه أخرى تعكس تسارع وتيرة أزمات مجتمعية خطيرة.
فأدوات وتقنيات العلم الحديث والتكنولوجيا تتيح مساحات مطردة الاتساع لحرية الأفراد فى الاختيار وإدارة شئون حياتهم بكفاءة، غير أنها فى ذات الوقت تحد كثيرا من مصداقية الأفكار الأخلاقية والقيمية الكبرى (دينية ووضعية) التى دوما ما كان دورها صياغة ضوابط وحدود لممارسة الحرية الفردية. تصبح المجتمعات البشرية، من ثم، أمام اختيار صعب هو حتمية مراجعة أفكارها الكبرى وتحديثها تدريجيا.
كذلك، وفى حين يبدو مجتمع المعرفة وكأنه قوة دفع مستمرة باتجاه معدلات أفضل للعدالة والمساواة بين البشر من خلال الوعد بنشر فوائد العلم والتكنولوجيا فى كل أرجاء المعمورة وتخطى الفوارق الطبقية وحواجز النوع المميزة للرجال على حساب النساء، يدلل الواقع الفعلى على نقيض مثل هذه القراءة شديدة التفاؤل.
فكما أثبت عدد غير قليل من الدراسات المقارنة التى أجريت خلال السنوات الأخيرة، تتسع وتتعمق باطراد الهوة الفاصلة بين حظوظ الأغنياء والفقراء من المعرفة أفقيا على مستوى العالم ورأسيا داخل كل مجتمع. هنا أيضا تثير لحظة الانتقال إلى مجتمع المعرفة بتعميقها للانقسام بين أغنياء وفقراء العالم تساؤلات كبرى تتعلق بكيفية ضبط التفاوتات والاختلالات الاجتماعية على نحو يضمن حدا أدنى من الحقوق والفرص لخاسرى وضحايا اليوم من أهل الجنوب والفقراء فى كل مكان شمالا وجنوبا. وتزداد أهمية تلك التساؤلات الكبرى حين نجمع بين التفكير فى تحديات مجتمع المعرفة ومسئولية المجتمعات الغنية فى التضامن مع المجتمعات الأقل حظا وبين البحث فى تحديات التغير المناخى الذى سببه أغنياء العالم بصناعاتهم الملوثة للبيئة ويتحمل فقراء العالم تداعياته الفادحة أكثر من غيرهم. لسنا فى بلاد العرب ولا فى مصر ببعيدين عن هذه القضايا الجوهرية، وستشهد قمة المناخ السابعة والعشرون التى ستعقد فى شرم الشيخ بدايات نوفمبر القادم الكثير من النقاش حولها.
وفى الداخل المصرى، لم نعد أيضا ببعيدين عن تناول التساؤلات الكبرى التى يطرحها مجتمع المعرفة والعلم الحديث على مجتمعاتنا بتراثها الدينى والقيمى. فقد صرنا نناقش تساؤلات تتعلق بحريات وحقوق الأفراد مثل الحق فى التبرع بالأعضاء بعد الوفاة (وأنا مع ذلك الحق بالكامل) وحق المرضى الميئوس من شفائهم فى ممارسة حريتهم فى الاختيار لإنهاء حياتهم وضوابط ممارسة حريتهم هذه. صرنا أيضا، وعلى مستوى المجتمعات، نناقش قضايا مثل ازدياد التفاوت بين حظوظ أغنياء وفقراء العرب من المعرفة وفوائد العلم الحديث والتكنولوجيا المعاصرة وانعكاس ذلك إقليميا فى هوة تتسع بين خليج يتقدم ومشرق ومغرب يسعيان للحاق بالركب.
• • •
رحم الله الأستاذ السيد ياسين فقد كان من القلائل الذين تناولوا مجتمع المعرفة وتحدياته وتساؤلاته الكبرى بالبحث والكتابة المعمقة فى عالمنا العربى. وله أدين بفضل التوجيه للقراءة عن الأمر والتفكير فيه.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات