الصحافة التفسيرية: أداة فى الحرب ضد الاستقطاب - قضايا إعلامية - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصحافة التفسيرية: أداة فى الحرب ضد الاستقطاب

نشر فى : الثلاثاء 15 مارس 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 15 مارس 2016 - 10:25 م
نشر مؤسسة بروكينجز للأبحاث مقالا للكاتب الأمريكى توماس مان، وهو باحث زميل ببروكينجز متخصص فى شئون الحوكمة وصنع القرار، حاول من خلاله طرح أحد المناهج الصحفية الجديدة فى محاولة منه للبحث عن حل لوقف حالة الاستقطاب التى يشهدها المجتمع الأمريكى والتى تعكس حالة الاستقطاب الإعلامى نتيجة الجدل السياسى حول أجندات مرشحى الحزبين الديمقراطى والجمهورى فى ظل التحضير لانتخابات الرئاسة الأمريكية، مؤكدا ضرورة الاستعانة به فى وقت أصبح العديد من وسائل الإعلام تمارس التضليل تجاه المواطنين.

ويبدأ مان مقاله فى حيرة مشيرا إلى أنه الآن وفى ما وصل اليه العالم اليوم فى الإعلام والسياسة، فنحن نعيش – كما يقول المثل – فى أفضل الأوقات وأسوأها.

فقد أصبح المواطن المتحمس لمعرفة المعلومات عن السياسة والسياسات العامة للدولة ــ وهو مواطن مثالى يعبر عن الديمقراطية ــ لديه الحق فى الوصول إلى عدد غير مسبوق من الصحافة الممتازة المتنوعة والغنية من حيث الشكل وباختلاف منصاتها.
حيث يوجد منها المطبوع والإذاعى والإلكترونى، الطويل منها والقصير، وكذلك القائم منها على صور «الجرافيك» الشارحة للبيانات وتبسيطها للمتلقى، فضلا عن الصحافة الإخبارية وصحافة الرأى، والمنظمات الإعلامية «التقليدية» صاحبة الإرث الإخبارى والأدوات الرقمية الإخبارية الجديدة كالهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعى، فضغطة واحدة فقط تنقل المتصفح إلى قواعد البيانات والوثائق الرسمية. ولقد أدت الثورة الرقمية إلى توفير نماذج القرن العشرين من التقارير الإخبارية ونشرها، وبرغم ذلك إلا أنه حتى فى أول أيام تلك الثورة الرقمية، ما زال المواطنون يجدون مصادر عديدة وغير متوقعة حين يبحثون عن معلومات حول السياسة والسياسات العامة وأداء الحكومة.

***
ويبين مان المستهدفين من منهج الصحافة التفسيرية متسائلا عن عدد المواطنين الحاصلين على ميزة هذه المصادر لاختبار السيادة الشعبية ومبدأ المحاسبة الديمقراطى كصلب الديمقراطية فى الولايات المتحدة الأمريكية. ويجيب بأن معظم المواطنين ــ بشكل غير مباشر ــ مستهلكون للمواد الإخبارية المتناولة للسياسات العامة وشئون الحكومة، فاهتمامهم يقتصر، فى معظم الأحيان، على الأخبار المحلية كالجرائم وحركة المرور والطقس، مع مقتطفات من بعض الأخبار حول الشأن العام بجانب رسائل البريد الإلكترونى من العائلة والأصدقاء الذين يشاركونهم بعض المواد المسموعة والمرئية. ومن ثم تمتلئ حياتهم بالمسئوليات والمصالح والتى تلفت الانتباه عن الحملات الانتخابية والمعارك السياسية. فالقليل الذى يعرفه الأمريكيون ويتعلمونه عن السياسة غالبا ما يمسه التضليل ويتجنب بعض الإعلام عرض بعض الأساسيات التى تساعد فى تكوين الانطباع العام للأفراد، باختلاف هوياتهم، عن المرشحين وشاغلى المناصب.

وبرغم ما يؤكده مان بأنه لا يوجد اكسير سحرى للإعلام حتى يمكن إشراك المواطنين فى معرفة المعلومات الصحيحة، بمن فيهم غير المشاركين فى الانتخابات، وهو ما قد يؤدى إلى محو السياسة العامة عند الأمة من أجندة اهتماماتم. لكن تقسيم العمل الإعلامى أمر ضرورى وحتمى فى الديمقراطية التمثيلية، ليس فقط بين الجمهور العام والمسئولين المنتخبين، ولكن أيضا بين جميع المواطنين وملايين المواطنين المندمجين والمشاركين بشكل أكبر فى الحياة السياسية من خلال القراءة فى الشأن العام ومناقشة قضاياه مع مواطنين آخرين. وهؤلاء هم المستهدفون من الصحافة التفسيرية.

***
لقد واجهت الديمقراطية الأمريكية ضغوط كبيرة فى الأعوام الأخيرة. فقد كان هناك انخفاض حاد فى الثقة تجاه مؤسسات سياسية مركزية، وتطرف واضح فى واحد من الحزبين الرئيسين فى الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن وجود معارضة سياسية عنيفة فى الكونجرس حولت حكومة الحزب إلى مقبرة ترشيحات، فى حين أصبحت المبادرات التشريعية والرقابية فى الكونجرس أكبر بقليل من كونها أداة حرب حزبية. وفوق كل هذا يظهر المرشح الأوفر حظا والغير ملائم للمنصب ليمثل الحزب الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية والذى قد يهدد الديمقراطية الأمريكية ويجعل من قيادة أمريكا للعالم مدعاة للسخرية.

إن جذور السياسات الأمريكية المختلة ممتدة ومعقدة. وفى إطار تلك المقالة يوضح مان أن الإعلام لم يساعد العامة فى فهم ما هو خطأ من حولهم، ولو بالقليل. فحدة وعنف الحوار الحزبى منتشر فى كل مكان، فى الإذاعة، والقنوات الإخبارية، والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى وهو ما أثار «النعرات» السياسية داخل المجتمع والمتاجرة بها بالحديث عن الأكاذيب والمؤامرات. فالاتجاه العام للإعلام قد غل يديه بنفسه بدافع الخوف من التحيز الحزبى حين قام بمعالجة متوازنة بين الطرفين المتنافسين على الرغم من عدم التماثل بينهما. وقد خدم هذا الشكل من التكافؤ الزائف ترسيخ وجود الأصوات المتطرفة وهو الأمر الذى يعادى فكرة الديمقراطية نفسها.

وفى محاولة من مان للإصلاح يكشف ما تصبو إليه فكرة الصحافة التفسيرية، والتى تطمح إلى توفير السياق الضرورى للفيضان الإخبارى، فمن غير الكافى أن يطرح السياق فى عملية منفصلة. فمن الهام تعبئة تلك الأخبار بمعلومات غنية وذات صلة وهو ما أصبح ممكن بفضل التكنولوجيا الجديدة، على أن تقدم فى شكل يسير وسهل بالنسبة للمتلقى. وتقوم تلك المعلومات على حقائق وبيانات، ولا ضير من إبراز بعض التحيز الحزبى بشرط وجود الحجج والأدلة التى تساند الرأى المطروح. وذلك فى إطار من السعى إلى كشف الغموض المحيط بالسياسة العامة للدولة مع التوضيح بشكل صادق وأمين للمخاطر التى تواجه الدولة وسياسات مسئوليها.

***
ويختتم مان مقاله بالإشارة إلى بعض المبادرات، حيث يعد عزرا كلين رائد لمبادرتى «كسر المسار» فى مجال الصحافة التفسيرية، الأولى فى صحيفة واشنطن بوست، والآن فى موقع Vox.com. وتتضمن إجراءات العمل الإخبارى للعديد من المنظمات الإخبارية عناصر نهج الصحافة التفسيرية. وهو ما يؤكده بعض الصحفيين المتخصصين، حيث من الضرورى طرح السياق العام والتاريخى للخبر دون أن يكون فى عملية منفصلة والتى تقوم بها وكالات الأنباء لتفصل بين الخبر وسياقه العام.


إعداد – إسلام أحمد حسن
التعليقات