خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل - ك: تدرج المهام - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل - ك: تدرج المهام

نشر فى : الجمعة 15 مايو 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 مايو 2015 - 8:15 ص

ــ1ــ
مرسل الخطاب الدعوى لا ينحصر فى نموذج واحد، ولا يتقوقع فى مهمة واحدة، رغم أنه مؤسسة واحدة لكن لابد له من تدرج المهام أو تدرج «المحتوى».

فمرسل الخطاب الدعوى يتحمل مسئولية إدارة الشعائر بالمسجد ــ كعمل أساسى ــ لكن هذا العمل لا يبدأ من فراغ. فعشرات أو مئات الآلاف من المساجد التى تقام فيها الجمعة والجماعات الخمس اليومية بحاجة ضرورية إلى «فرق متكاملة» بعدد تلك المساجد. فكل مسجد يحتاج إلى مدرس للأطفال، ومدرس للشباب، وآخر للكهول والرجال، حيث إن كل مستوى من هذه المستويات يلزمه خطاب دعوى يتوافق مع قواه العقلية والنفسية والاجتماعية. ويدير هؤلاء المدرسون خطيب الجمعة صاحب المسئولية الكبرى فى توجيه خطاب واحد محدد المدة الزمنية (20 ــ 25 دقيقة) يؤدى به رسالة يتفاعل معها جمهور المصلين على اختلاف أعمارهم واختلاف ثقافاتهم واختلاف اهتماماتهم. لهذا فحتى خطبة الجمعة يجب أن يتم إعدادها فى لقاء بين خطيب المسجد والمدرسين القائمين معه بالمسجد.

ــ2ــ
وإذا كان الخطاب الشعائرى بحاجة إلى هذا الجهد فكيف ببقية شئون الخطاب الدعوى (الأحوال النفسية/ الاجتماعية/ المشكلات الأسرية/ الصلح)؟

كذلك رعاية الحالات الخاصة (ماليا/ صحيا)، تعليميا، اجتماعيا.

فالحالات المالية مثل الفقراء والمساكين.

والحالات الصحية مثل المرضى، الحالات المزمنة، الحالات الحرجة.

والحالات الاجتماعية مثل حديثى الزواج، المطلقات، الأرامل، الأيتام.

والحالات التعليمية مثل ذوى الاحتياجات الخاصة والطلاب.

كل هؤلاء بحاجة إلى شخصية دعوية مؤهلة لمساعدتهم ومساندتهم.

ــ3ــ
فمن أين يأتى مرسل الخطاب الدعوى بكل تلك الخبرات والمهارات المطلوبة؟

لاشك فى أن مؤسسة الدعوة بحاجة إلى منظومة تعليمية متكاملة تعد المتخرج فيها ليتحمل أعباء العمل الدعوى العام. وتقوم هذه المنظومة التعليمية على مناهج ومعلمين يستطيعون الوفاء بحاجة المجتمع فى هذا العصر. منظومة تعليمية تقدم المقررات الأساسية التى يجب أن يتلقاها الطلاب بالإضافة إلى مقررات خاصة لإعداد الراغب فى الالتحاق بميادين العمل الدعوى. تطرح هذه المقررات تدريجيا منذ التعليم الأساسى ثم التعليم الثانوى حتى يتبين الطلاب القادرين على الالتحاق بالدراسات الأكاديمية فى ميادين الدعوة من غيرهم. فليس كل من تلقى هذه المقررات قادر على الاستمرار فيها بأداء يؤهله للتخرج فى كلية دعوية.

كذلك لابد من وجود أدوات ربط بين هذا العدد الضخم من المساجد وعدد المعاهد.

ــ4ــ
لا ينتهى الخطاب الدعوى عند الخطبة والدرس والنصيحة المباشرة، بل لابد أن يتخذ الخطاب الدعوى مكانه كعنصر فاعل فى ساحة الإعلام والفنون. ففى الإعلام ينبغى أن تتخرج عناصر متخصصة فى إعداد المقالة والتقرير الصحفى، ويتخصص آخرون فى نقل الخبر، ثم فى تحليله، ثم فى طرحه للنقاش. فكل تلك مهارات يحتاج إليها خطبنا الدعوى، وهى لا مكان لها فى مناهج إعداد الدعاة فى المؤسسات الحالية. وكذلك فى ميادين الفنون، فلابد من تخريج من يتولى صناعة الحوار والسيناريو وبقية المهارات مثل الإضاءة والصوت والإخراج والإنتاج.

فكل هذه أعمال ضرورية لا يمكن تفويضها لغير المتخصص، كما لا يمكن أن نعهد بها إلى متخصص فنيا ولا يملك رؤية دعوية معبرة عن نشاط الدعاة وما يجب عليهم. فكل تلك الأدوات والآليات ينبغى أن تجد مكانها فى التخصصات الدراسية فى كليات الدعوة.

فإعداد حملة الخطاب الدعوى فى الإذاعة والتلفاز والفضائيات، وكتبة السيناريو، ومعدى البرامج الثقافية والفنية، يجعل الدعوة الدينية مجالا محبوبا نافعا يصب فى مصلحة الوطن ثم الأمة.

ــ5ــ
كذلك فالخطاب الدعوى لا يهتم بناحية واحدة فى بناء الشخص، فإذا كانت العلوم الدعوية تهتم بالأخلاق والاعتقاد، فلابد من علوم أخرى يحتاج إليها المسلم فى حياته. فصانع الخطاب الدعوى يحتاج إلى ثقافة موسوعية ضخمة تستمد كثير من عناصرها من التخصصات العلمية مثل الطب والصيدلة والعلوم العملية مثل الهندسة.

كل هذه التخصصات لابد وأن تجد مساحتها فى كليات متخصصة داخل المؤسسة الدعوية ــ كما نراها الآن، لكنها بحاجة إلى توثيق الصلة بين التخصص العلمى والفنى من ناحية، وبين الإحاطة الواسعة بحاجات الجماهير من هذا التخصص، فيستطيعون إعداد البرامج والحلقات والأفلام التسجيلية والمسلسلات وغيرها بشكل يؤدى رسالة دعوية واضحة لا تختلف ولا تتضاد مع الأخلاق الإسلامية ولا اهتمامات المؤسسة الدعوية. وهذا مما نفهمه من قوله تعالى: ((قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين)).

فمعنى كلمة «محياى» فى الآية: أن تكون جميع شئون الحياة موافقة لغاية الخطاب الدعوى ومحققة لأهدافه. فلا تتخلف الأمة ولا يحدث تضاد فى مشاعرها، ولا يجرح انتماء المسلم لوطنه وأمته وعصره.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات