ورثة الرجل المريض - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 9:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ورثة الرجل المريض

نشر فى : الأربعاء 15 أكتوبر 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 أكتوبر 2014 - 8:00 ص

بلا مقدمات سأل وزير الخارجية التركى «أحمد داود أوغلو»، الذى أصبح تاليا رئيسا لحكومة بلاده، أمين عام الجامعة العربية الدكتور «نبيل العربى» إن كان ممكنا الانضمام إلى عضويتها.

أجابه على الفور: «لكنكم لا تتحدثون العربية».. رد «أوغلو»: «نتعلمها»!

لم يكن السؤال فى توقيته وصيغته قبل (٣٠) يونيو مفاجئا تماما، فقد طُرحت فكرة دمج دول الجوار الرئيسية تركيا وإيران وأثيوبيا فى صيغة تتبناها الجامعة على آخر اجتماعات القمة العربية فى سرت الليبية عام (٢٠١٠) قبل ثورات وانتفاضات وحروب ما يسمى بالربيع العربى.

كانت الفكرة مثيرة وتلبى ضرورات جديدة تستدعى تفاهمات بين الأطراف الإقليمية الرئيسية دون تفريغ الجامعة من هويتها العربية.

لم يكن أحد متحمسا للمشروع الذى تبناه الأمين العام السابق «عمرو موسى» رغم أنه حاول بقدر ما يستطيع تخفيف وطأة المخاوف من دمج إيران فى الصيغة المقترحة قبل تسوية أزماتها مع دول الخليج.

طلب إقرار المشروع وتأجيل الانضمام الإيرانى إلى حين استكمال متطلباته لكن أحدا لم يستجب.

بحسب رواية «موسى» فإن الرئيس المصرى الأسبق «حسنى مبارك» رفض أى مناقشة ولم يبد أدنى رغبه فى أن يوضح أسبابه وفى اجتماع القمة المغلق أشاح بوجهه للناحية الأخرى.

الفكرة استبعدت فى «سرت» وبقيت مادة لتساؤلات من حين إلى آخر على ما حاول «أوغلو».

فى سؤاله استفسار واستكشاف لحقائق ما بعد الربيع المخاتل أكثر من أن يكون طلبا جديا للانضمام إلى منظمة تتهاوى.

لم يعد أحد الآن يتحدث عن صيغة تضم اللاعبين الإقليميين الكبار فى إطار الجامعة العربية التى تآكلت بفداحة مقومات بقائها وبدأ السؤال يلح: ماذا بعدها؟

مع صعود جماعة الإخوان المسلمين فى مصر ومناطق أخرى من العالم العربى علت رهانات «العثمانية الجديدة» واستولت الفكرة على «رجب طيب أردوغان» بينما ذاكرة سياسييها تحتفظ بما قاله رئيسها الأسبق «تورجوت أوزال»: «هناك لعبة كبيرة فى الشرق الأوسط والأفضل لتركيا أن تكون على قوائم المدعوين لا طبقا يقدم فوق موائدها».

بعد (٣٠) يونيو تناقضت المعادلات والحسابات وبدا أن تركيا الخاسر الأكبر لكنها تظل بحقائق الجغرافيا لاعبا رئيسيا لا يمكن استبعاده بذات القدر الذى لا يمكن استبعاد إيران.

الصراخ الإعلامى لا يغير الحقائق وللصراع حدوده وإلا فإن عواقبه على الجانبين وخيمة.

وسط حرائق المشرق العربى وانهيار حدود «سايكس بيكو» بين العراق وسوريا وتمدد «داعش» بصورة فاقت أية توقعات وتخبط الإدارة الأمريكية إلى حدود مزرية فاض منسوب القلق على الحوارات العامة وطرق التفكير طرح ما لم يكن متصورا أن يطرح من قبل.

هناك من يفكر على خفوت دون أن يجرؤ على الإفصاح العلنى فى العودة إلى الملل والنحل والطوائف بعد الاعتراف بنهاية الدولة الوطنية وإخفاقها فى حفظ حقوق ومصالح الأقليات.

التفكير ذاته يخاصم المستقبل من حيث هو تطلع لإعادة صياغة الواقع على نحو أفضل لا العودة إلى صيغ شبه بدائية تقر بالتقسيم والتجزىء وتكرس التنافرات المذهبية والعرقية لكنه يعبر عن درجة عالية من الإحباط واليأس أمام مجهول يعصف بلا رحمة.

التقسيم جار عمليا فى المشرق العربى والروح المذهبية والطائفية تشيع وتدمر وتفصل بـ«البلطة» لا بـ«المسطرة» وفق تعبير الزعيم الدرزى «وليد جنبلاط».

الخرائط الجديدة ترسم بالدم وقطع الرءوس والمجازر الجماعية وحملات تنكيل وتهجير قسرى وسيادة روح الملل والنحل والطوائف.

من هنا علت أصوات تدعو إلى «تحالف الأقليات» على ما دعا «جنبلاط» نفسه.

بشكل أو آخر فإن هناك تهيئة مجال لشىء كبير قادم من بين سيناريوهاته الكابوسية الاستغراق فى التقسيم إلى حده الأقصى، وهذا ثمنه بحور دم إضافية على ما أريق.

هذا كابوس محتمل أكثر من غيره، فخطة «باراك أوباما» للحرب مع «داعش» مرتبكة وغارات طائرتها أقرب إلى «النقوط» فى الأفراح الشعبية، دول التحالف الدولى ترسل قاذفاتها لتلقى حمولاتها قبل أن تعود دون أن يكون أحد متأكدا أن لها أثرا فى مسار الحرب.

ليس مستبعدا أن تظل المنطقة تحت التدمير لأطول وقت ورئيس أركان الجيش الاسترالى السابق يتوقع أن تمتد لمائة عام.

ما العمل إذن؟

السؤال معلق فى منطقة تواجه مصيرها بلا خطة ولا رؤية ولا قيادة.

بالمقابل فهناك من يفكر بصوت مرتفع فى سيناريو آخر يقول إنه أمل أخير لا مجرد حلم ليلة صيف قاصدا بناء نظام إقليمى جديد يضم مكونات المنطقة كلها بلا استبعاد.

التفكير فى إطاره العام ينفى هويتها العربية ويعترف بأن الدول الوطنية تقوضت وفقدت صلاحيتها.

لم تعد الجامعة العربية مغرية لأحد فى أن ينضم إلى آلية تتبعها توفر التفاهمات الضرورية بين دول المنطقة، لا إيران متلهفة ولا تركيا مراهنة ولا حتى إسرائيل تنتظر دورها فى الصف.

التفكير فى جوهره إعادة صياغة لمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو آيا كانت صفته على قواعد مختلفة.

أن تكون ديمقراطية وشعبية و«من تحت».

الكلام «طوباوى» وتنسف الحقائق الرهانات عليه.

من المستحيل تغيير طبيعته من تقسيم المنطقة إلى توحيدها ومن إضعافها إلى تقويتها.

من الصحيح تماما ما يرصده الكاتب اللبنانى «سعد محيو» الذى أسس قبل سنوات طويلة مجلة «الشروق» الإماراتية من أن أحدا لا يمكنه أن يرث «الرجل العربى المريض»، فإيران تتكون من ستة أعراق ومرشحة أن تكون الضحية الثانية بعد الضحية العربية وتركيا مهددة فى وحدتها الداخلية بأكرادها الذين تتراوح أعدادهم ما بين (١٥) و(٢٠) مليونا فضلا عن كتلة سكانية علوية لا يستهان بها.. غير أن القفز إلى كيان فيدرالى إقليمى كأنه وصفة سحرية تخرج بالمنطقة مرة وحدة من أزماتها الكبرى مسألة أخرى أقرب إلى التوهمات المحلقة لا الأحلام الممكنة.

على الخريطة صراعات وحروب مذهبية وعرقية وتقسيمات بالسلاح على الأرض فى المشرق العربى وفوضى مسلحة فى ليبيا واليمن وذعر فى الخليج من امتداد النيران إليه وقلق يماهى الرعب فى لبنان والأردن وانتظار فى فلسطين لخطوة الذبح التالية وتطلع لمصر فى أن تتعافى وأن يكون لها دور قبل أن يلحقها مسلسل الرعب.

وعلى الخريطة صراعات دولية ضارية وهو وضع يختلف عما كانت عليه أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من استقرار فى معادلات القوة سمح للعدوتين التاريخيتين ألمانيا وفرنسا فى إقرار وحدة جمركية فى صناعة الحديد والصلب مهدت للاتحاد الأوروبى.

هناك باليقين ضرورات لتفاهمات إقليمية بين دولها الكبرى لكنها سوف تأخذ وقتا طويلا نسبيا ويصعب أن تبنى قواعد وقوانين على مرحلة ارتباك واهتزاز.

ما تحتاجه مصر أن تخرج لتدافع عن مصالحها الاستراتيجية العليا فى منطقتها وتمنع فى وقت واحد سقوط طابعها العربى أو انحدارها إلى ملوك النحل والملل والطوائف.