عمر سليمان.. ثلاث صور - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 12:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمر سليمان.. ثلاث صور

نشر فى : الأربعاء 16 فبراير 2011 - 11:48 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 فبراير 2011 - 11:48 ص
اعتملت فى وجهه دراما كاملة، تدرك أبعادها حين تتذكر صورته، مبتسما نادرا، جادا غالبا، منذ سنوات، عندما درج على القيام برحلاته المكوكية بين مصر وفلسطين، لحل مشكلات بين فتح وحماس، أو بحث مسائل بين القاهرة وتل أبيب. صامت دائما، لا يدلى بأية تصريحات. ملامحه الجامدة منحته مزيدا من غموض منصبه على رأس جهاز المخابرات الذى يحظى بقدر لا يستهان به من التوقير، يرجع لأنه المؤسسة المنوط بها الكشف عن جواسيس إسرائيل، وهى فى هذا تختلف عن جهاز الشرطة، بجحافل أمنه المركزى الغلبان، المكلف بضرب المتظاهرين وتفريق الجماهير.

عمر سليمان، بدا عند الكثيرين، فى الأيام الخوالى، قويا وراسخا، ومحلا للثقة، وبسبب النفور العام من النظام القائم، الفاسد المستبد، تمنى البعض أن يغدو، رئيسا للجمهورية، ولكن الأيام جاءت به نائبا لرئيس مهزوز، حكمه على كف شباب ثائر، وأصبح على الرجل الغامض، الصامت، أن يفصح عن نفسه، ويتكلم، عندئذ، بدأت الصورة تنجلى.. فى أحد بياناته، ترددت ثلاث كلمات بإلحاح شديد، ينطقها الرجل بوضوح لا لبس فيه، هى «كلفنى السيد الرئيس»، وكأنه يعلن، بشىء من الغبطة المستترة، أنه صدى لصوت الرئيس. لا ولاء عنده إلا لمن عينه، وهو فى ذات الوقت، مرءوس مخلص فخور بالثقة التى وضعت فيه، يؤدى عمله بدقة متناهية، ملتزم بتنفيذ التعليمات التزاما تاما. لا مجال للخيال أو الإبداع أو الابتكار أو المبادرة. إنه موظف. نعم هو موظف كبير، لكن أخلاقيات الموظفين واحدة، تشمل الكبير والصغير. لذا، فإن صوته المتهدج بمزيج من الفخر والامتنان وهو يقول «كلفنى السيد الرئيس»، يتحول إلى صوت تنبض نبراته بالصرامة حين يسرد التوجيهات، وكأنه يصدر أوامر واجبة التنفيذ، يوجهها لمجموعة من مرءوسيه وليس لثورة مندلعة فى الشوارع والميادين.. هنا تظهر مشكلة الرجل النزيه الذى عاش حياته ملتصقا بمكتبه، يتلقى ويصدر الأوامر. لا ينتبه إلى كونه ليس بين موظفيه، ولكن إزاء جماهير غاضبة لن تقبل نواهى أو إملاءات.

لقد بدا الرجل المخلص وكأنه يعيش فى زمن آخر، ومكان آخر.. وهذا ما يفسر الفشل الذريع فى الحوار الذى دار بينه من ناحية، وبعض فصائل المعارضة من ناحية أخرى، فطرح مسألة تنحى أو خروج رئيسه، بالنسبة له، كبيرة الكبائر، أو نوع من التجديف.

فى بيانه الأخير، بدت المسافة واسعة بين صورته الأولى، المحاطة بهالة من الأوهام، وصورته الثانية كموظف كبير، ذلك أنه، فى هذه المرة، عليه أن يعلن تخلى الرئيس عن الكرسى.. ظهر عمر سليمان بوجه متجهم، مغضن، بتجاعيد حفرت خطوطها فى أيام قليلة. جفون منتفخة تحت عيون مليئة بغضب مكتوم.

يقف وراءه حارس متحفز، وفيما يبدو أن تصويره جاء على عجل، فالإضاءة المبهرة ركزت على نصف وجهه العلوى فلسعته ببياض شاحب كئيب.. وبينما الموظف الكبير، يقول بصوت ينضح بالحزن والألم «فى هذه الظروف العصيبة».. يقصد الظروف الثورية حسب رؤية الشباب. وفيما يبدو أنه لم يدرك وقع كلماته المترعة بالأسى على الشعب المصرى الذى سرت فى عروقه دماء البهجة والأمل.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات