اجتمع الأصدقاء الأربعة في منزل أحدهم، بعد أن أنهوا لتوهم فترة الاختبار.
لم يكن كأي اختبار، بل كان واحدًا من تلك الاختبارات الأسطورية التي نسمع عنها في حلقات الرسوم المتحركة القديمة. سمعوا عن تلك الجلسة كثيرًا، الأساطير كانت تتناثر في الأنحاء، طقوس حكى عنها كثيرون، ولكنهم لم يعرفوها، لأن أحدًا خاض تلك التجربة لن يحكي عنها.

تبدو تلك المقدمة مناسبة جدًا لواحدة من روايات كافكا، أو على أقل تقدير بداية لحكاية من سلسلة الرعب "ما وراء الطبيعة" للكاتب أحمد خالد توفيق، إلا أن تلك الأجواء هي التي كانت تسيطر بالفعل على الأربعة الذين ذهبوا في ذلك اليوم ليتم تصعيدهم كعضو عامل داخل جماعة الإخوان المسلمين، بعد سنوات من استمرارهم في مرحلة "عضو محب"، وهو ما يعني أنه عضو مع وقف التنفيذ، يعمل ويضحي، لكنه لا يدفع الاشتراك الشهري، ولا يشارك في انتخابات الشعبة.

خالد صديقي كان أحد هؤلاء الأربعة، تم تصعيده بعد أن أنهى دراسة سلسلتي كتب "مبادئ الإسلام" و"في رحاب الإسلام".

الأساس الذي أهّل خالد لينال ذلك الشرف لم يكن واضحًا أو معروفًا؛ لأن البعض الآخر أنهى السلسلتين ولم يُصعّد، كما أن خالد لم يكمل تلك السلاسل بالمعنى الحرفي، أو بمعنى أدق، أكملها لأنهم أرادوا له أن يكملها.

خالد كان شابًا ملتزمًا، مطيعًا لمسئوله، يحضر جميع لقاءات أسرته داخل الإخوان قبل التصعيد، وصل به الالتزام إلى حد أن أصدقاءه المقربين كانوا يخشون إعلان نزواتهم الصغيرة، كتدخين سيجارة أو الذهاب لمشاهدة فيلم في السينما أمامه.

كانت مفخرته وقتها أنه يحمل في سيرته الذاتية "10 دعوة فردية"، وهو المصطلح الذي يطلقه الإخوان على الطريقة التي يجلب بها الأخ أحد العاديين ويحوله لأخ!

لكن آفة خالد كانت أنه افتتن بالغناء، ولم يكن هناك مكان شاغر لمن هم على شاكلته.

***

في رسالة حسن البنا في المؤتمر الخامس للإخوان المسلمين، يقول "فكرة الإخوان المسلمين- نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام- قد شملت كل نواحي الإصلاح في الأمة، فهي دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية".

تلك كلمات ستقولها عندما يطلب منك أحدهم أن تغلف مقابلتك التلفزيونية بجملة ختامية، ستستعد لتقول كلمة تبدو عميقة، ولكنها جوفاء بلا معنى كتلك.

لو كتب الله لك الشهرة سيأتي أتباعك من بعدك محاولين تحميل عبارتك أكثر مما تحتمل، غير مدركين أنها مجرد كلمة استقطابية أخرى تدهش من يسمعها، تجمع تحت عباءتها مجموعة من البشر سيعجز ماكس فيبر- لو بقي على قيد الحياة- أن يضع نموذجا تفسيريا لتوضيح أيديولوجيتهم.

هذا هو الكنز الفكري الذي ورّثه حسن البنا لأتباعه، وهكذا قامت الجماعة تستند إلى حلم رومانسي يُدعى عودة الخلافة.

***

"لم تتضمن المناهج التي كانت مفروضة علينا رسائل حسن البنا ولا كتابات سيد قطب، كما لم تكن هناك توصية بقراءة كتب معينة، أو حتى قراءة الكتب بشكل عام، ولم يكن في أسرتنا داخل الإخوان من يعرف أصلًا كتاب معالم في الطريق لسيد قطب، أو كتابات أنور الجندي، أو مقالات مجلة المنار.. من قرأ منّا فعل ذلك باجتهاده الشخصي، ولم تكن هناك توصية معينة في المطلق إلا تلاوة ورد من القرآن، ومناقشة أحد الأحاديث، ثم نتواصى حسب دعاء ختم المجلس بالحق والصبر".

خالد حامد - عضو سابق بالإخوان المسلمين

***

من أين تستمد الجماعة فكرها، أو كيف ستغير الجماعة من مصير البشرية؟

ربما لا يوجد نص واحد في أدبيات الإخوان يفسر شكل المجتمع اليوتوبي الذي سيوجد بعد حكم الإخوان الرباني، إلا نصوص رومانسية حالمة، بانت معالمها بشكل واضح في كتابين لسيد قطب وهما "معالم في الطريق" و"خصائص التصور الإسلامي".

وسيد قطب مثل ماركس، غرق في الرومانسية الثورية، فأصبح لا يرى إلا شعب الله المختار، ذلك المجتمع الصحابي المثالي الذي لا يخطئ، يحكم بشريعة الله ويهدم الأوثان، ذلك المجتمع الرباني المتكامل الذي أراده رسول الله، خالص العقل، خالص التصور، خالص الشعور، خالص التكوين من أي مؤثر آخر غير المنهج الإلهي، الذي يتضمنه القرآن الكريم.

سيد قطب لا يرى المجتمع إلا بهذا الشكل، وأي مجتمع آخر هو مجرد "مجتمع جاهلي" يجب أن تُفرض عليه "حاكمية" الله.

***

"إن النظام الذي يحكم البشر في الأرض يجب أن تكون قاعدته العبودية لله وحده، وذلك بتلقي الشرائع منه وحده، ثم ليعتنق كل فرد- في ظل هذا النظام العام- ما يعتنقه من عقيدة! إن مدلول «الدين» أشمل من مدلول العقيدة، إن الدين هو المنهج والنظام الذي يحكم الحياة.. وفي الإسلام يمكن أن تخضع جماعات متنوعة لمنهجه العام الذي يقوم على أساس العبودية لله وحده، ولو لم يعتنق بعض هذه الجماعات عقيدة الإسلام".

سيد قطب - معالم في الطريق

هكذا يرى سيد قطب، الذي يعد المنظر الوحيد للإخوان المسلمين شكل المجتمع الذي ينبغي أن يكون، سيد قطب لا يرى الآخر في مجتمعه- كما يقول صديقي المدون بلال علاء.

ولكن سيد قطب، ومن أتى بعده أو قبله، لم يوضحوا كيف سيتحقق ما نادى به الإخوان بعد يوم 28 يناير (عيش - حرية - عدالة اجتماعية).

***

لماذا وجدت الحركة بلا منظر لها؟

ماذا يجمع أكثر من نصف مليون مصري في تنظيم واحد غير الحب في الله؟!

يمكن تلخيص رؤية الإخوان للدولة بأغنية كانت تذاع في شوارع مصر أثناء الدعاية الانتخابية للعام 2005 وكانت تقول:

عاش إسلامنا

عالي يحكم أوطانا

بعقيدة فكر، مصحف، سيف

وخلافة ودين وأمان

وهنا تكمن المشكلة التي واجهت خالد صديقي، ما هي أيديولوجية الإخوان المسلمين؟ كيف سيحقق المجتمع الإسلامي العدالة الاجتماعية؟
ما وضع الفقير، هل ستكفيه مأثورات حسن البنا ليتجاوز بها بؤسه؟

ربما لهذا السبب صرح حسن مالك لوكالة رويترز بأن "السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كانت تسير في الطريق الصحيح، لكن شابها تفشى الفساد والمحسوبية.. يمكن أن نستفيد من القرارات الاقتصادية السابقة، عرف رشيد محمد رشيد جيدا كيف يجتذب الاستثمارات الأجنبية، وكانت قراراته صائبة في هذا الصدد".

ربما لهذا السبب عندما أقيمت ندوة بكلية اقتصاد وعلوم سياسية لمناقشة قانون الصكوك، عقّب دكتور مصطفى السعيد بأنه قانون جيد، ولكن لماذا تدعونه إسلاميا؟ فرد عليه مسؤول الملف الاقتصادي لحزب الحرية والعدالة: سمه كيفما شئت.

ربما لهذا السبب جاءت اختيارات حكومة الإخوان كلها "بالحب"، والحب لا يكفي لفتح بيت.

ربما لهذا السبب اعترض الإخوان على "قلة أدب" فتاة مجلس الوزراء، ثم أطلقوا على متظاهرات رابعة "حرائر مصر".

ربما لهذا السبب استشهد الحسيني أبو ضيف وجيكا.

ربما لهذا السبب سقطت دولة الخلافة المزعومة بعد سنة واحدة من إقامتها.
ربما لهذا السبب، لم يجد مرسي ما يقوله في خطابه الأخير.

لأن الدولة يُسقطها الحب في الله، لو كان هو وحده من أقامها.