توقعات 2016: أفراد وليس حكومات سيقودون التغيير فى قطاع التعليم - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

توقعات 2016: أفراد وليس حكومات سيقودون التغيير فى قطاع التعليم

نشر فى : الأحد 17 يناير 2016 - 10:45 م | آخر تحديث : الأحد 17 يناير 2016 - 10:48 م
لم يشهد قطاع التعليم العام الماضى، اختلافا عما سبقه من أعوام فى عالمنا العربى. إذ استمرت الاحتجاجات داخل المؤسسات التعليمية وخارجها، وازدادت وتيرة الانتهاكات التى تطال الحريات الأكاديمية وارتفعت نسب البطالة، لتطال أكثر من 30 فى المئة من الشباب جراء النزاعات فى المنطقة ونقص الاستثمارات التى تساهم فى تأمين الوظائف.

بل شهد العام الماضى مشكلة جديدة، تمثلت فى ارتفاع أعداد الطلاب اللاجئين والنازحين. فمع تسجيل النزاعات فى المنطقة مستويات جديدة من الدمار والترويع وانتشار القتل والخطف والاعتقال التعسفى للطلاب والمعلمين وطواقم التعليم، وصل عدد الأطفال خارج المدرسة أو المهددين بتركها فى الدول المتأثرة بالنزاعات المسلحة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أكثر من 21 مليون طفل فى الشرق الأوسط وشماله، بحسب تقرير اليونيسف الأخير. كما خرجت أكثر من 8,850 مدرسة وأكثر من 100 مؤسسة أكاديمية عليا فى سوريا والعراق واليمن وليبيا من الخدمة، نتيجة تعرضها للضرر أو التدمير أو لاستخدامها فى إيواء العائلات المهجرة أو لأن أطراف النزاع تحتلها.
***
لا تتوفر –مع الأسف– تقارير دولية ترصد أعداد الطلاب المنقطعين عن الدراسة الجامعية فى المنطقة، إلا أن قراءة سريعة فى الواقع السورى، تكشف جزءا من حجم الكارثة. إذ أن أقل من 6 فى المئة من الطلاب السوريين يلتحقون بالجامعات اليوم، بينما كان 25 فى المئة منهم يدرسون بالجامعة قبل اندلاع الحرب. وعلى الرغم من ازدياد الاهتمام الدولى بهذه القضية الهامة، إلا أن الجهود المبذولة، وتحديدا فى دول الجوار العربية، مازالت أقل بكثير من الطموح والاحتياج. كما أن المشكلة لا تتعلق بالطلاب السوريين وحدهم، رغم ارتفاع عددهم اليوم، إذ تغص المنطقة بطلاب لاجئين من اليمن والعراق وليبيا والصومال والسودان جميعهم يحتاج إلى مساعدة ليتمكنوا من استكمال تعليمهم.
شخصيا، لا أعتقد أن الأمور ستتغير كثيرا نحو الأفضل فى العام الحالى. فمع مرور خمس سنوات على اندلاع شرارة الربيع العربى، لم تشهد أى دولة ممن عصف بها «الربيع» أى نوع من الاستقرار السياسى أو النمو الاقتصادى. بل على العكس، شهدت غالبيتها المزيد من أعمال العنف والاعتقال وكبت الحريات وإعادة فرض لقانون الطوارئ أيضا. ومع غياب الاستقرار السياسى والنمو الاقتصادى، لا يبدو أن أى من الحكومات العربية ستعير انتباها لقضايا التعليم فى القريب العاجل.
***
مع ذلك، هناك فرصة لإحداث تغيير.
فأنا لا أعول على سياسات حكومية رسمية، رغم كونى لا أنكر أهميتها، لكننى أراهن أكثر على المبادرات الفردية لأشخاص ومؤسسات أكاديمية، تؤمن بأن التعليم وسيلة تغيير وتطوير على المدى الطويل.
أعلم أن تغيير مقرر واحد فى منهاج أى كلية عربية يحتاج إلى سلسلة طويلة من الإجراءات البيروقراطية، وربما موافقات وزارية أو مراسيم رئاسية. لكن تبنى أسلوب تدريس يعتمد على الحوار والتفكير النقدى يحتاج فقط إلى إرادة حقيقة من قبل المدرس لفتح باب النقاش لأى موضوع علمى أو أدبى بعيدا عن أسلوب التلقين الذى عفا عنه الزمان وولى.
إن امتلاك بعض الأساتذة لروح المبادرة كفيل بخلق فارق كبير. ففى إحدى الجامعات الحكومية فى بلد يرزح تحت وطأة حرب مستعرة، تمكن أستاذ من إدخال مقرر جديد فى منهاجه الدراسى العام الماضى بشكل غير رسمى، من خلال متطلب غير إلزامى. ووظفت أستاذة جامعية فى بلد عربى آخر، تطبيقات التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى للتواصل مع طلابها والإشراف الحثيث على مشاريع تخرجهم. كما تمكنت مبادرة صغيرة لشاب جامعى فى المساهمة بتعليم أطفال الشوارع فى إحدى العواصم العربية بصورة أكثر فاعلية من كل الاستراتيجيات الوزارية، التى تم وضعها لمحاربة الأمية فى هذا البلد.
***
خلال العام الماضى، نشرنا بعض القصص عن مواهب أكاديمية عربية أثبتت كفاءة ونالت استحسانا دوليا. مع الأسف، معظم هذه المواهب العلمية برزت فى الجامعات الأجنبية. بالطبع تلعب الميزانيات المرصودة لدعم البحث العلمى دورا كبيرا فى هذا المجال، لكن الإيمان بالمواهب الشابة وفتح المجال أمامها للإبداع والتجريب يمكن أن يتيح أيضا الفرصة أمام بروز بعض المواهب فى جامعاتنا المحلية. تبنى بعض الإداريين والأساتذة لسياسات تشجيعية للطلاب والباحثين على المستوى المعنوى والأدبى سيسهم فى تحريك الركود العلمى الذى نشهده وربما يتبعه تشجيع باستثمارات مالية.
وفى الوقت الذى تنهمك فيه بعض الجامعات الحكومية فى محاربة اتحادات الطلاب ونشاطاتها، يتوجه الكثير من الطلاب لإنشاء مجموعات طلابية غير رسمية تقوم بنشاطات خدمية وتعليمية وثقافية تثير الإعجاب كما يفعل فريق ملهم التطوعى فى الأردن أو مجموعة خطوة فى مصر. كما تعمل شبكات مستقلة تضم باحثين وأساتذة عرب على تشبيك الجامعات بعضها البعض وتبادل الخبرات والمعارف الأكاديمية من دون الحاجة إلى عقد أى اتفاقيات رسمية.
وبينما تستمر الحكومات العربية فى وضع العراقيل أمام التحاق الطلاب اللاجئين من مختلف الجنسيات بالجامعات، تسعى مؤسسات معظمها صغير أو متوسط الحجم لتوفير منح تعليمية للاجئين. لست فى معرض انتقاد سياسات حكومية ليست بجديدة، لكننى أرغب بالإشارة إلى مبادرات موجودة فعليا قد تبدو للكثيرين غير مؤثرة لصغر حجمها أمام حجم المشكلات التى يواجهها التعليم فى بلادنا والقيود التى نواجهها. إلا أن هذه المبادرات الفردية وغير الرسمية، يمكن أن تكون الوسيلة الوحيدة الممكنة حاليا لإحداث فارق خاصة فى قطاع التعليم. إن ازدياد هذه المبادرات، التى قوامها طلاب يشكلون أجيال المستقبل، وانتشارها سيحولها مع الوقت لجماعات ضغط تؤثر فى الرأى العام وقد تؤثر على السياسة.
أعلم أن كثيرين يرون فى المبادرات الفردية محاربة لطواحين الهواء، لكنها بالنسبة لى السبيل الوحيد للحفاظ على الأمل بالتغيير فى عالم لا نملك فيه إلا زمام تغيير أنفسنا.
رشا فائق

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للإعلام
التعليقات