وفيما وراء ذلك فقط العجز - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وفيما وراء ذلك فقط العجز

نشر فى : الأحد 17 مايو 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأحد 17 مايو 2015 - 8:40 ص

الهدف هو، إذن، رفع كلفة المشاركة فى الشأن العام على أصحاب الرأى الآخر وعلى رافضى الاستسلام للسلطوية الجديدة وعلى الباحثين عن بدائل لها.

الهدف هو، إذن، إبعادهم جميعا عن المجال العام قمعا أو تعقبا أو منعا أو تشويها بصخب السلطوية الجديدة أو تخوينا بمكارثيتها، أو الإبقاء على هذا النفر القليل من المفكرين والمثقفين والإعلاميين والحقوقيين والطلاب والشباب فى خانات محاصرة باستمرار وتحت ضغط التهديد الدائم بالعقاب حال عدم التزام الصمت.

الهدف هو، إذن، تهجيرهم جميعا من المجال العام، وترك الأخير للسلطوية الجديدة وطيور ظلامها تسيطر عليه وتدير مساحاته العلنية وتوظف شبكات تحالفها مع النخب الاقتصادية والمالية لإحكام قبضتها.

الهدف هو، إذن، فرض الرأى الواحد والصوت الواحد على الناس، ودفعهم إلى تجاهل قيم العقل والمعرفة والعلم وإلى تناسى كون مبادئ التنوع والتعدد والإدارة السلمية للاختلاف هى الأصل فى المجتمعات البشرية، وليس حكم الفرد أو النخبة المستأثرة أو منظومة الحكم / السلطة التى تقمع وتتعقب وتمنع وتنزل العقاب أو تهدد بهم دوما.

غير أن أزمة السلطوية الجديدة تتمثل، أولا، فى تهافت خطابها المستند إلى الرأى الواحد والصوت الواحد والعاجز عن الاعتراف بأزمات الواقع وصياغة حلول حقيقية لها بعيدا عن الوعود البراقة وإلصاق الاتهامات بالمعارضين.

أزمة السلطوية الجديدة تتمثل، ثانيا، فى تهافت منطق وحجج طيور الظلام المدافعة عنها وانقضاء قدرتها على الصناعة المستمرة للأعداء فى الداخل والخارج لكى تلصق بهم الاتهامات.

أزمة السلطوية الجديدة تتمثل، ثالثا، فى ضعف إنجازها فى الملفات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التى تقايض الناس عليها وتساومهم للتنازل عن الحرية فى مقابل الخبز والعمل والأمن، ثم تعجز عن توفير ثلاثتهم بعد أن تكون قد طبقت بعنف الحرمان من الحرية.

أزمة السلطوية الجديدة تتمثل، رابعا، فى أن الكثير من القطاعات الشعبية قد تستسيغ هيستيريا التخوين ومكارثية العقاب الجماعى لفترة قد تقصر أو تطول، وقد يوافقون ضمنيا لفترة قد تقصر أو تطول على التنازل عن مبادئهم الأخلاقية والإنسانية ويغمضون الأعين عن انتهاكات الحقوق والحريات، غير أنهم ينقلبون على طيور ظلام السلطوية الجديدة ما إن يستقر فى وعيهم أن الحاكم الفرد أو النخبة المستأثرة أو منظومة الحكم / السلطة غير الديمقراطية لا يقدرون على تحسين حياتهم اقتصاديا واجتماعيا ولا على مواجهة التحديات الأمنية الكبرى بفاعلية حقيقية ولا على الحد التدريجى من انتهاكات الحقوق والحريات.

أزمة السلطوية الجديدة تتمثل، خامسا، فى أن دنيا اليوم لا تمكنها من السيطرة الكاملة على مصادر المعلومات أو من المنع الكامل للآراء الأخرى، وفى أن فى مواجهتها يقف دوما بعض الرافضين للصمت والتهجير من المجال العام، والباحثين بسلمية وعلنية عن بدائل ديمقراطية، والمستعدين للتضحية الشخصية والأسرية والمهنية، والقادرين على التغلب فرديا وجماعيا على الخوف ومواصلة الحياة فى الوطن الذى لا يحق لأحد إبعادهم عنه، والمتمسكين بالتعبير الحر عن الرأى من الخارج إن حال القمع أو التعقب بينهم وبين البقاء فى الوطن دون تورط فى أوهام معارضة من الخارج أو فى قبول الاستتباع إن لسلطة أو ثروة فى الخارج.

هنا أزمة السلطوية الجديدة، وهنا مناط عجزها، وهنا للأسف الكلفة المرتفعة التى يدفعها الوطن مواطنا ومجتمعا ودولة وطنية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات