مفهوم كليات القمة - محمد زهران - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 4:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مفهوم كليات القمة

نشر فى : الأحد 17 سبتمبر 2017 - 10:30 م | آخر تحديث : الأحد 17 سبتمبر 2017 - 10:30 م

 في بداية فصل الصيف تبدأ حرب الثانوية العامة ومكتب التنسيق وتبدأ المشاجرات في البيوت بين الآباء والأبناء على أسماء الكليات في بطاقة الرغبات، منذ عشرات السنين وهذه المشكلة الأسرية تظهر في الصيف وأصل هذه المشكلة يتلخص في كلمتين: كليات القمة ... الآباء يصرون على أن يكتب أبنائهم كليات القمة في رغباتهم والأبناء في شد وجذب مابين ما يرغبون فيه ومايرغب فيه آبائهم (إذا تلاقت الرغبات فأنت من المحظوظين!)... فما هو مفهوم كليات القمة؟ ولماذا عندنا كليات قمة وكليات جانبها الحظ فلم تدخل في قائمة كليات القمة؟

 

عندما تتحدث مع أحد الأشخاص ويسألك عن تخصصك وتقول له شيئاً مثل: هندسة نووية أو رياضيات بحتة أو شئ من هذا القبيل فغالباً هذا الشخص سيبجلك ويطلق عليك لفظ العبقري وهو رد فعل مختلف عن إذا ما قلت له آداب لغة عربية أو زراعة! فلم ذلك ولا يوجد تخصص أفضل من آخر فكل تخصص من المفروض أن يساهم في إعمار هذا العالم كل بطريقته؟

السبب غالباً أننا نبجل ما لا نفهمه ونظنه معقداً أكثر بكثير من الحقيقية، عندما كنت تكره الرياضيات في المدرسة وتحصل فيها على درجات سيئة فليس بالضرورة أنك ليس عندك ملكة الرياضيات أو القدرات العقلية لفهمها وإنما قد يعني أن أستاذك لم يقدمها لك بالطريقة المثلى، فما تجهله قد لا يكون أقوى من إمكانيتك ... فلا تنبهر لأن ذلك يعميك عن الرؤية الصحيحة.

هل يعني هذا أننا نفهم في أداب اللغة العربية أو الزراعة لذلك لا ننبهر بهما؟ بالقطع لا ولكننا نظن أننا نفهمها والحقيقة أننا عندنا فكرة خاطئة عنها!

هذا العامل النفسي هو أحد العوامل في تحديد كليات القمة وهي نظرة المجتمع لخريجي بعض الكليات المعينة... ما هي العوامل الأخرى؟

 

العامل المادي من أهم العوامل التي تحدد كليات القمة ... إذا أردت أن تدرس فلسفة فستقابَل بردود مثل "يابني دي ما تأكلش عيش" أو "وحتشتغل إيه إن شاء الله بعد ما تتخرج؟ (سؤال استنكاري)" ... إلخ.

إذا العامل المادي عامل مهم خاصة في العصر الحالي ولكن بعض التخصصات خاصة في التعليم الصناعي قد يكون عائدها المادي أكبر من كلية الهندسة قسم الرياضيات مثلاً فلماذا لا تعتبر من كليات القمة في حين أن كلية الهندسة هي كلية قمة في عصرنا الحالي؟ هذا يقودنا بالإضافة إلى النظرة المجتمعية إلى العامل التالي ...

 

مستقبل التخصص من العوامل التي تحدد كليات القمة عند الناس، في النصف الأول من القرن العشرين كانت كلية الحقوق هي كلية القمة لأنها تخرج الوزراء ورجال السياسة أم الآن في عصر أصبح المال هو الأساس فكليات الهندسة والطب هي كليات القمة ... لاحظ أن كليات القمة في دول أخرى قد تختلف ... في دولة بها الكثير من البحث العلمي فستكون كليات العلوم هي كليات القمة.

 

إذا فالعوامل هي: النظرة المجتمعية والعائد المادي المنتظر والمستقبل المهني ... ولكن ما هو ترتيب هذه العوامل من الأهم ثم الأقل أهمية؟ الترتيب يعتمد على المجتمع ففي دولة لا تحتقر مهنة عن أخرى تكون النظرة المجتمعية في آخر القائمة ... أعتقد أن الترتيب عندنا في مصر هو النظرة المجتمعية ثم المستقبل المهني ثم العائد المادي، الدليل على ذلك نسبة البطالة العالية بين المهندسين والأطباء ومازالت كليات الطب والهندسة هي كليات قمة، دليل آخر أن أغلب الجامعيين يقبلون العمل في وظيفة معيد مع عائدها المادي القليل ولكن مستقبل لقب الأستاذ الجامعي له بريقه في المجتمع حتى وإن لم يكن له نفس البريق المادي ...

 

 

ماذا لو كانت كليات القمة ليست على هوى الطالب؟ ماذا عن نصيحة "إعمل ما تحب كهواية ولكن إدخل كلية قمة مثل والدك أو أقاربك ..."؟  إذا أردت رأيي فإدخل الكلية التي تحبها وليست ما تحقق عوامل كلية القمة وذلك لعدة أسباب: إذا درست ما تحب فستبدع فيه وتدرسه باستمتاع على شرط أن تكون متأكداً أنك تحب هذا الفرع من المعارف وعلى استعداد لأن تقضي فترة كبيرة من حياتك تعمل به، وإذا أبدعت في مجالك فستحوذ على القبول المجتمعي فالناجح جاذب للإحترام، أما بخصوص العامل المادي فالإبداع ليس فقط في مجال التخصص ولكن أيضاً في تسويق هذا الإبداع ...

 

 

 

إقتراح: ماذا لو أصدرت كل كلية منشوراً تشرح فيه أهمية تخصصها والمستقبل المنتظر لخريجيها مع إعطاء أمثلة لخريجين ناجحين؟ وعلى الطلبة قراءة تلك المنشورات ولهم القرار...

 

 

 

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات