«سقطرى» جوهرة البيئة العالمية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«سقطرى» جوهرة البيئة العالمية

نشر فى : الجمعة 18 مايو 2018 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 18 مايو 2018 - 9:44 م

«فى البداية لم تكن هناك قارات، بل كانت اليابسة الأرضية كلها كتلة عملاقة واحدة يكتنفها المحيط العالمى العظيم، وعندما تجزأت الأرض وبدأت القارات تتكون، انفصلت شبه الجزيرة العربية عن إفريقيا قبل عشرة مليارات عام، ومكثت جزيرة صغيرة مساحتها أقل من أربعة آلاف كيلومتر مربع، قرب سواحل اليمن الجنوبية، ولأنها انعزلت عن العالم فنباتاتها لم تختلط بأنواع أخرى، وحافظت على خلقتها الفريدة كما كانت قبل ملايين الأعوام»، هكذا بدأت مقالتى المنشورة فى سبتمبر عام 1995 بعنوان «سقطرى آخر جواهر البيئة العالمية.. هل تسقط فى يد الحضارة؟»، ومرفقة بالمقالة صور أخاذة عن نباتات «خيار» (قثاء) لا تنمو كالمعتاد على عرائش زاحفة، بل تحملها على هاماتها شجيرات ضخمة، وصور ورود صحراوية تخفى رءوسها على شكل درنات تحت الرمال، وعند سقوط المطر ترتفع متفتحة فوق سطح الأرض، وصورة واحدة من أغرب الأشجار فى العالم تشبه بالشكل مظلة مقلوبة تنزف عندما نجرحها صمغا أحمر قرمزيا، يسميها السكان المحليون شجرة «دم الأخوين».
و«سقطرى: قصة جزيرة ساحرة»، عنوان كتاب مصور عنها صدر عام 2014 بالإنجليزية، وفيه يذكر مؤلفه «منير بن وبر» أن أكثر من ثلث نباتاتها متوطنة لا مثيل لها فى العالم، ويعيش فيها 221 نوعا من الطيور النادرة عالميا، و27 منها لا توجد فى أى مكان من العالم، و6 أنواع من الأفاعى غير السامة، وثلاثة أنواع من سرطانات البحر، وعناكب كبيرة بحجم قبضة اليد، و14 نوعا من اللبائن، بينها الجمال، والحمر الوحشية، والقطط البرية، والماعز، والأغنام.
و«سقطرى» فرصة ثمينة للمجتمع العلمى العربى ومنظمات البيئة العربية، بادر إليها «صندوق محمد بن زايد لحفظ الطبيعة» الذى غطى تكاليف تقصٍ ميدانى قامت به باحثتان أكاديميتان من إسبانيا اكتشفتا أن سر بقاء أشجار «دم الأخوين» يعود إلى سحليات ليلية تلقحها عندما تتغذى على رحيق زهورها، وتحافظ بذلك على بقاء أحد أندر أنواع الأشجار فى العالم، والمفارقة بين قبح السحليات المتسللة ليلا لامتصاص رحيق زهور أشجار «دم الأخوين» الجميلة، يعكسها عنوان البحث «الحسناء والوحش»، الذى صدر العام الماضى بالإنجليزية فى مجلة «حفظ الطبيعة»، وساهم فى تحويل أبحاث حفظ الطبيعة العالمية من التركيز على أنواع حية معينة إلى دراسة التفاعلات البيولوجية بين الأنواع.
و«سقطرى» متحف حى يحفظه سكانها البالغ عددهم 60 ألفا يتعهدون أقدم تراث للتعايش الإنسانى مع الطبيعة، قالت لى ذلك «ميراندا موريس» عالمة الأنتروبولوجيا فى جامعة «سانت أندروز» بإسكتلندا، وذكرت أن «سقطرى» حافظت على ثرواتها الطبيعية «بفضل موقعها المنيع قبل كل شىء، وطبيعتها القاسية، ومعرفة سكانها الحميمة بنباتاتها، واستخدامهم المنضبط لها، وفهمهم الشامل لبيئتهم، مصدر حصافتهم عبر القرون». وذكرت الباحثة التى صدر لها كتاب «مجموعة نباتات سقطرى»، أن النباتات لعبت دورا كبيرا فى تكوين ثقافة السكان المتميزة بقيمها الأخلاقية فى المشاركة والتسامح والتعاون والتعامل المهذب، ويشرف رؤساء القبائل فى «سقطرى» على وضع وتنفيذ قواعد وأعراف تنظم علاقة السكان بالبيئة، وتحافظ على الموارد الطبيعية، ويقضى العرف مثلا بعدم قطع الأشجار الحية، وباستعمال الأغصان اليابسة للوقود، وبالتعاون فى تنظيم انتقال قطعان الماشية، وهى الثروة الرئيسية للسكان، من موقع إلى آخر، للحيلولة دون الإفراط فى الرعى. والأماكن التى نهواها كأوطاننا لا نغادرها ولا تغادرنا أينما نكون، ونجفل عند ذكرها، وأنا تجفلنى أخبار «سقطرى» التى تبدو من بعيد مثل غيمة فوق سطح المحيط الهندى، تضم 850 نوعا نباتيا، كثير منها يعيش فى فجاج الذرى المنيعة لجبل «هجهر» الذى يبلغ ارتفاعه 1500 متر، ويشكل المنظر الرئيسى للجزيرة وسبب تسميتها «جزيرة السديم».

الاتحاد ــ الإمارات
محمد عارف

التعليقات