متلازمة الكراهية والعنف - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متلازمة الكراهية والعنف

نشر فى : الإثنين 18 أغسطس 2014 - 7:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 أغسطس 2014 - 7:55 ص

فى استهداف محطات الكهرباء وأبراج الضغط العالى وترويع الطرق العامة بالعبوات الناسفة ومشاهد الميلشيات المسلحة على مواقع التواصل الاجتماعى توجه انتقامى يتجاوز السلطة الحالية إلى المجتمع كله.

استهداف المحطات الكهربائية ليس جديدا فقد تبنته مجموعة «سيد قطب» قبل نحو خمسة عقود كاملة لكنه هذه المرة يأتى بعد تجربة قصيرة فى الحكم نتائجها وخيمة على أقدم وأكبر التنظيمات الإسلامية فى العالم العربى.

بالمرة الأولى ارتكز مشروع العنف ضد منشآت مدنية على مقولات دمغت المجتمع بالجاهلية.. وبالمرة الثانية دعت إليه كراهية المجتمع نفسه الذى ثار عليها ووفر غطاء إطاحتها ولم يبد تضامنا مع تظاهراتها العنيفة التى خفتت بالوقت قدرتها على الحشد والتعبئة.

الكراهية أزاحت أية حسابات سياسية من رءوس فقدت عقلها.

انقطاعات الكهرباء لساعات طويلة فى اليوم الواحد تزعج حياة المواطن العادى بصورة تكاد لا تطاق والحكومة تحادثه بأنصاف الحقائق بلا خطط عمل مقنعة لخفضها على مدى زمنى معقول.

للأزمة أسباب متراكمة عهدا بعد آخر من تراخ فادح فى بناء محطات جديدة تفى بالاحتياجات المتزايدة وتقصير جسيم فى إجراءات الصيانة اللازمة والتجديد الضرورى غير أن مواجهتها فى صلب اختبارات الحكم الجديد.

حيث كان استهداف محطات الكهرباء يطلب إرباك الأداء العام ورفع منسوب الغضب الشعبى على السياسات المتبعة فإنه أفضى إلى تحميل الجماعة وحدها مسئولية تفاقم الأزمة وتعميق فجوات الكراهية معها.

العنف فى تجلياته الجديدة تعبير عن اليأس من أية عودة محتملة إلى الحكم واليأس يفاقم الكراهية ويسد الطرق على أية مراجعات ممكنة فى أسباب الإخفاق الذريع.

أمام الطرق المغلقة اتسعت ظواهر العنف وانتقل ما هو لفظى إلى ما هو مادى وما هو ممعن فى كراهيته لمجتمعه إلى الانتقام منه بعشوائية بلا مثيل وحماقة بلا حد.

فى شهر واحد استهدف العنف (٣٠٠) عملية تخريب فى محطات الكهرباء بحسب رئيس الوزراء «إبراهيم محلب».

الفعل مقصود وعشوائى فى وقت واحد. مقصود من حيث العمل التنظيمى وخلاياه المسلحة تخطيطا وتنفيذا.. وعشوائى من حيث مستوى التفكير العام، فتخريب المنشآت العامة يتضرر منه الحلفاء والخصوم معا ووضع عبوات ناسفة حيثما أمكن أن توضع فى محطات مترو وأماكن مفتوحة ينال من أبرياء وسكب زيت مستخدم على طرق عامة مشروع قتل بشع لمواطنين يتصادف مرور سياراتهم دون ذنب أو جريرة وقد يكون من بينهم من يعتقد فى الأفكار التى يتبنونها.

الكراهية المتفاقمة تزكى العنف العشوائى وتولد تنظيمات محدودة الكفاءة وسريعة الانهيار.

لا يمكن لجماعة أن تتطلع لاستعادة ثقة مجتمعها وهى تعلن عليه حربا مفتوحة ولا أن تتقدم بمظلوميتها للرأى العام وهى تستبيح دماء مواطنيها.

الاستباحة تقوض نهائيا أية فرصة فى المستقبل وتقابلها استباحة مضادة والنزوع إلى العنف محكوم عليه بالاندحار.

فى المشهد العنيف فإن هناك تراجعا لأكبر التنظيمات التكفيرية «أنصار بيت المقدس» فى سيناء وخارجها، أخباره توارت إلى حد كبير وأغلب خلاياه تفككت.. والجماعات المماثلة على الحدود الغربية فى ليبيا تشغلها صراعاتها مع خصومها الذين اكتسحوا الانتخابات النيابية عن تقديم أى دعم لوجيستى للمسلحين الجدد كـ«كتائب حلوان» وأشباهها بينما الأوضاع المتوترة على الحدود الشرقية مع حركة «حماس» تميل إلى إعادة صياغتها وفق تفاهمات جديدة تبدت بوادرها فى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية غير المباشرة التى احتضنتها القاهرة.. والجو العام فى المنطقة يشى بتدهور غير مسبوق لمكانة الجماعة الأم لحساب تنظيمات من نوع جديد كـ«داعش» و»النصرة» تحاول أن تتمركز على الأرض وتفرض تصوراتها بقوة السلاح ممعنة فى مجازر بشعة يقابله تصاعد فى معدلات القلق الدولى وتأهب ما لمواجهات عسكرية وسياسية أكبر سوف تجهض ما تبقى من دعم لرهانات قديمة.

استعراضات السلاح تفضى إلى نتائج لا مفر منها. أولاها تقويض أية احتمالات للبحث فى منفذ سياسى للتيار الإسلامى يعيد دمجه بصورة طبيعية فى الحياة السياسية وفق القواعد الدستورية الجديدة، والمنفذ غير المصالحة مع الجماعة التى تفتقد إلى أية فرصة فى أى مدى منظور.. وثانيتها إحراج المتضامنين مع الجماعة فى الأوساط الحقوقية الدولية وداخل الميديا الغربية، فلا أحد بوسعه أن يتضامن مع الوجوه الملثمة التى ترفع السلاح وتروع مواطنيها.. وثالثتها دخول الجماعة إلى نفق مظلم من العنف لا خروج منه وأن تستغرقها لغة الكراهية مع مجتمعها إلى حد تصعب بعده أية عودة إليه. معضلة الجماعة أنها صعدت إلى السلطة بوسائل تنكرت لها رغم أنها كانت دليلا عمليا لجدوى العملين الدعوى والاجتماعى فى اكتساب الثقة العامة ودليلا عمليا آخر على فشل جماعات العنف والإرهاب كـ»القاعدة» فى اختراق سياسى للمجتمعات العربية تعدل من موازينها السياسية.

حيث كان يفترض أن تلعب الجماعة دورا فى دفع تيارها إلى شىء من الاعتدال انجرفت إلى مقولاته فى الخلافة الإسلامية وتكفير خصومه السياسيين وتحالفت مع تنظيمات تكفيرية بمواريث قيادتها القطبية وتماهت فى مشروع تمكينها وخلطت فى السلطة وبعدها على نحو فادح بين «الشرعية» و«الشريعة» وبين «الثورة» و«التمكين» وبدا خطابها كله مرتبكا وغير مقنع يفتقد احترامه لعقول الآخرين.

ورابعتها التوسع فى العنف يؤدى إلى تشديد القبضة الأمنية بقبول كامل من الرأى العام واتباع سياسات تلاحق المتورطين فيه بعنف مضاد أشد قد يضر بفداحة من مواطنين لا صلة حقيقية لهم بالعنف وأصحابه. بحسب بعض التقديرات فإن نحو عُشر عضوية الجماعة خرج منها ونسب أخرى عكفت فى منازلها دون أن ترى أمامها منفذا سياسيا يساعدها أن تكون نقطة جذب جديدة لقطاعات من شبابها الغاضب.

هناك ما يشبه التفلت التنظيمى فى بنية الجماعة فلا يوجد تحت الضربات الأمنية مركز قيادى له كلمته الأخيرة على ما اعتادت طوال تاريخها بقواعد «السمع والطاعة». لا هناك تنظيم دولى يقود ولا تنظيم فى الداخل يهيمن. هناك أدوار ما لكنها محدودة وتقصر عن أن تمثل رؤية لها تأثيرها.

فى ضيق المجال السياسى ما يسمح للعنف أن يتمدد وفى الملفات المفتوحة بلا إجابة على تساؤلاتها كملف الشباب ما ينذر باضطرابات غير مستبعدة.

فى المعارك المفتوحة لا توجد قواعد فى إدارتها وبعض تداعياتها ينال بفداحة من قضيتى الديمقراطية وحقوق الإنسان.

السلاح يواجه السلاح واستهداف الشرطة يفضى إلى استعادة سياسة «الضرب فى سويداء القلب» التى دشنها وزير الداخلية الأسبق «زكى بدر» ربما بتوسع والكراهية المتفاقمة تؤدى إلى تصاعد العنف وتغييب أية فرصة جدية لإصلاح جهاز الشرطة وفق المعايير الدولية الحديثة وتغييب أية فرصة أخرى للعدالة الانتقالية.

بحسب «محمد فائق» رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان: «العدالة الانتقالية مستحيلة فى أوقات الحرب على الإرهاب». كأن الجماعة وهى تخرج من التاريخ قررت هدم المعبد على من فيه وأية مظلوميات تنسبها إلى نفسها تستحق التحقيق فيها وفق قواعد قانونية نزيهة مستبعدة بمظلوميات أخطر لشعب بأسره يروعه العنف.

غير أن ذلك كله يستدعى استراتيجية جديدة تواجه العنف والإرهاب تعمل على توسيع المجال العام وصيانة الحريات ومنع التعذيب وبناء دولة مؤسسات حديثة وأن يكون الشعب الحر ظهيرا حرا فى الحركة إلى المستقبل.