«البؤساء» - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 7:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«البؤساء»

نشر فى : السبت 19 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 19 يناير 2013 - 8:00 ص

تتدفق الألحان، فى «البؤساء»، منذ اللقطة الافتتاحية، حتى ما بعد النهاية، وهى لا تغلف المشاهد، أو تعبر عن موقف، أو تكثف المشاعر، أو تمهد لظهور شخصية.. دورها، أكبر من هذا بكثير.. إنها رؤية، جزء جوهرى من بنية الفيلم، فمثلا، حين تضطر «فانتين» ــ بأداء آن هاثواى ــ لبيع شعرها وأسنانها، كى توفر ثمن طعام طفلتها، ثم تنخرط فى حى الدعارة، حيث تنادى كل واحدة على زبائنها، بالغناء طبعا، وتندلع بينهن مشاجرات، وتمتزج الأصوات البشرية بالموسيقى، متنافرة، متصادمة، بينما ثمة لحن يتصاعد، موحدا بين الجميع، مع أغنية ذات معنى احتجاجى، صادم ونبيل، تقول للرواد «إنكم تنامون مع جثث ميتة».. ولا يفوت المخرج البريطانى، توم هوبر، أن يصبغ المشهد بلون أحمر قاتم، بينما جسد البطلة ممدا، بهزاله، وبوجه نحيل، يخلو من الانفعال، وقد أغلقت عينيها نصف إغلاقة، كعيون من فارقت الحياة، شأن بقية من قست عليه وحشية نظام مستبد، لا يقيم وزنا لمتطلبات البشر.

 

على هذا النحو تتوالى مشاهد البؤساء، بوقائعها المعروفة سلفا، فالرواية، فى العالم صدرت فى عشرات الطبعات، وتحولت إلى عروض أوبرا ودراما وباليه وأفلام سينمائية، لذا فإن معايشة العمل المأخوذ عنها، الآن، ليس بهدف الاطلاع على ما تتضمنه الرواية، ولكن لمعرفة كيف تحكى الحكاية.. فى هذه المرة، يتمرد العمل «البؤساء» عن التصنيفات المعهودة، ويكاد يصبح مفردة مستقلة، تتضافر فيها عناصر الرؤية، مع حاسة السمع، لتغدو وحدة واحدة، قوية وعميقة التأثير، فالأداء التمثيلى المتمكن، يزداد إبداعا بالماكياج المتوائم مع كل شخصية، ويتطور مع تطورها، فمثلا، مع المشاهد الأولى، يطالعنا «جان فلجان» ــ بأداء هيو جاكمان ــ السجين المزمن، الذى قضى ما يقرب من العقدين وراء القضبان، بوجه حفرت التجاعيد القاسية خطوطا طويلة بين حاجبيه، وبينما بدت لحيته مشعثة، ثمة غطاء من البثور فوق شفته السفلية.. ذات الوجه، نراه لاحقا حين تستقر أحواله، ويطمئن من غدر الزمان والآخرين، يغدو وجهه سمح الملامح، رقيقا، من دون لحية، وشعر رأسه ناعما.. الماكياج، فى الفيلم، يلعب دورا لا غنى عنه، شأن بقية عناصر اللغة الفيلمية.

 

«البؤساء»، فيلم ممتع، أخاذ وآسر، لكن يثير التفكير والتأمل، خاصة بالنسبة لنا، شعوب الربيع العربى، وبالأخص، الجزء المتعلق بالثورة الفرنسية التى لم يكتب لها النجاح، عام 1832، ضد الملك لويس فيليب.. ولا أعلم إذا كان صناع الفيلم التفتوا إلى ما جرى فى بلادنا أم أن المسألة مجرد تشابه، قد يصل لحد التطابق، بين أسباب وآليات ونتائج الثورات. وهنا، تتحول الثورة إلى لحم ودم وصدام وشهداء، والحق أن هذا الجزء من الرواية، كتبه فيكتور هوجو ببراعة، وقدم فيه شخصيات خالدة، مثل الصبى «جافروش»، الذى انضم للثوار، بدافع من إحساسه العفوى بأنهم على حق ــ كتب محمد مندور فصلا ممتعا عن «جافروش» فى كتابه «نماذج بشرية» ــ لكن الأهم أن شعارات الثورة لاتخرج عن هتافات المصريين المطالبة بالعيش والحرية والعدالة.. وبخبرة لا يستهان بها، يشير هوجو إلى دور الضابط «جافييز» مخلب السلطة، المتظاهر بالانضمام للثوار، والذى يهدف لتضليلهم.. لكن أحسب أن استشهاد الصبى «جافروش»، بفعل رصاصات الغدر، لمس قلوب المصريين، الذين يدركون تماما مدى احتياج الثوار للدعم، مطلقون صيحتهم التى ندركها تماما «يا أهالينا.. انضموا لينا».. إنه فيلم كبير.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات