«نتائج النتائج» .. ما بعد الأرقام - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«نتائج النتائج» .. ما بعد الأرقام

نشر فى : الأحد 19 يناير 2014 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأحد 19 يناير 2014 - 9:55 ص

ما كان أحدٌ بالتأكيد يتمنى أن يكتب المصريون «الذين أبهروا العالم بوحدتهم فى يناير» دستورهم فى أجواء استقطاب وقلق مثل تلك التى نعيشها الآن. كما لم يكن يتمنى أحدٌ بالتأكيد أن يذهب المصريون «دون فريق منهم» إلى صناديق الاقتراع. أو أن يحتاج الأمر إلى هذه الترسانة المسلحة لتأمين حقهم فى أن يقولوا رأيهم. أو بالأحرى حقهم المطلق فى أن «يغيروا رأيهم» الذى عبروا عنه قبل ذلك عند صناديق الاقتراع ذاتها. إلا أن هذا للأسف ما كان، بعد أن قرر من قرر الاستمرار انتحارًا فى معركته «الصفرية» العبثية، المفتقدة «لواقعية» الهدف، وغير المدركة لحجم ما تغير على الأرض. والذى بدا واضحا جليا فى أرقام ها قد أتت بها في نهاية المطاف صناديق الاقتراع ذاتها.

هذا ما أشرت إليه قبل أسبوع «على الطريق إلى الصناديق» مقدِّمًا لست ملحوظات، على هامش ما كنا فى الطريق اليه، بعد أن فشل من فشل فى قراءة «معالم الطريق». واليوم، ونحن بصدد «النتائج»، أعود إلى الملحوظات الست لأستكملها، راجيا من الله أن يكون هناك من لا تغرنه «أرقام الصناديق» كما غرَّت الإخوان من قبل.

•••

1ـ أولى النتائج، «وأهمها للإخوان» ولكن ليس بالضرورة لغيرهم، هى أن صندوق الاقتراع لم يعد كما كان دائما ميدانهم الأثير بعد أن خسروا حاضنتهم الشعبية لأسباب عدة ليس هنا مجالها. وأن ١٥ يناير هذا ما هو إلا محطة أخرى على طريق طويل ساروا فيه، وكان بالضرورة أن تكون تلك إحدى محطات نهايته. وأنه بغض النظر عن التفاصيل والأسباب، فالنتيجة تقول رسالة واحدة عليهم أن يقرأوها جيدًا: أن هذا باختصار هو موقف المصريين «الآن» من الإخوان المسلمين.

2ـ أن الذين قالوا نعم أو دعوا إليها إلى جانب أولئك المعترضين على «الإخوان المسلمين»؛ ما بدا منهم وما أخفوه، وما قالوه على منصة رابعة، وما فعلوه ويفعلونه كل يوم بعد الثلاثين من يونيو. أو أولئك الذين رأوا فى «تحالفات الإخوان» ما يهدد ثقافتهم، وطريقة معيشتهم. كان هناك أيضا الباحثون عن أمنٍ واستقرار ٍافتقدوه طوال السنوات الثلاث الماضية. كما كان هناك أيضا «وذلك مما ينبغى أن ننتبه له» أولئك الذين يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ويتصورون أن هذه فرصتهم الوحيدة للعودة إلى واجهة المشهد واستعادة ما فقدوه فى ٢٥ يناير.

3ـ إن القراءة الصحيحة للأرقام تقتضى منا (كما لعلها تقتضى من الإخوان المسلمين) أن ندرك حقيقة أن الذين لم يذهبوا إلى لجان الاقتراع لم يكونوا فقط «الإخوان المسلمين والذين معهم أو يؤيدوهم»، فهناك ممن لم يقفوا فى الطوابير من لا يقفون بحال فى صف الإخوان، بل ولعل منهم من خرجوا إلى الشوارع فى الثلاثين من يونيو مطالبين مرسى بالرحيل، ولكن أقلقتهم «فيما يجرى» تجاوزاتٌ أمنية وإعلامية اعتبروها إشارات لعودة نظام ما قبل ٢٥ يناير، سواء تلك التجاوزات التى تلطخت بالدماء، أو التحفت برداء القانون، أو طالت أولئك الداعين إلى التصويت بلا. كما أن هناك المعترضين على بعض النصوص الدستورية، مثل تلك الخاصة بجواز محاكمة المدنيين عسكريا. وإلى جانب كل هؤلاء، كان هناك الذين استفزتهم الحملة الإعلانية الفجة، وبعض من تصدرها من شخوص. ودفعتهم لا مهنية الإعلام الزاعق والمتهافت والكاذب إلى الاصطفاف، كرد فعل فطرى إلى جانب الإخوان المسلمين فى الامتناع عن الذهاب إلى الصناديق.

4ـ من «نتائج النتائج» ما بدا من تدن لنسبة الشباب الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع. ولذلك، إذا صحت المؤشرات ــ مدلوله ومغزاه وخطورته، بالنظر إلى عوامل ثلاثة: أولها أن نسبة الشباب فى تعداد السكان هى الأكبر، والثانى أن هذه الشريحة العمرية هى التى تمثل الجسم الرئيس لمجندى القوات المسلحة عندما يلتحقون بعد تخرجهم بالخدمة العسكرية. والثالث: إن طاقة التغيير التى عبر عنها هؤلاء الشباب فى ٢٥ يناير إن لم تجد مسارها الصحى نحو المستقبل الذى يبحثون عنه ستتحول بالضرورة إلى طاقة إحباط وعنف وتدمير. وهذا مؤشر خطر.

5ـ من نتائج النتائج أن الناس سينتظرون «ما بعد الأرقام»، والتي ستصبح في نهاية المطاف مرهونة بما يتحقق على الأرض ويشعر به الناس في حياتهم اليومية (راجع من فضلك المواد المتفائلة المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ثم لا تنس أن تقارن ما تراه حولك بنصوص المواد من ٥١ إلى ٦٤ . ومنها ما ينص على أن «للحياة الخاصة حرمة.. وأن للمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة... الخ».

•••

هاقد جاءت الصناديق رسميًا «بصك الشرعية» لخارطة الطريق، ولما عبر عنه الناس في شوارع الثلاثين من يوليو. ولكن، بالتجربة لم يكن «الصندوق» أبدًا نهاية المطاف. فهناك دائما «ما بعد الأرقام». وبعضٌ منه ما يلي:

1ـ أن بعضا مما يجرى على الأرض؛ أمنيًا أو إعلاميا، أو متدثرًا برداء القانون، إنما يصب فى صالح الدعاية الإخوانية، ويساعد على تماسك التنظيم داخل شرنقة «المظلومية التاريخية» فضلا عن أنه يؤسس لمخاوف لدى الكثيرين من احتمالات عودة نظام مستبد يستخدم مؤسساته الأمنية والإعلامية والقانونية ضد خصومه. مما قد يستحضر أجواء الحالة السياسية ما بعد ٢٠٠٥ والتى نشأت فى تفاعلاتها حركتا «كفاية» النخبوية، «و٦ أبريل» الشبابية. وسمحت بأن تدفع حادثة خالد سعيد الأحداث إلى تلك النقطة المفصلية صباح الخامس والعشرين من يناير.

2ـ إن تقاعس المراحل الانتقالية المختلفة، بما فيها مرحلة حكم الإخوان عن تطبيق معايير «العدالة الانتقالية» الواجبة بعد الثورات، بما فيها من إصلاح «حقيقي» للمؤسسات (وليس مجرد نغيير للولاءات) سمح بالإبقاء على مساوئ النظام الذى أدى إلى ثورة الناس عليه كما هى «دون أدنى تغيير». الأمر الذى ينذر بتكرار ما جرى مع اختلاف التفاصيل. والذى يقرأ تاريخ الثورات الجديد يعرف أن شيئا من ذلك حدث هنا أو هناك.

3ـ إن زمن «المستبد العادل»: كما أراده الإخوان المسلمون، قد ولى. كما ولى أيضا زمن «الزعيم الملهم». فلا الناس ولا الزمان بزمان عمر؛ ابن الخطاب أو ابن عبدالعزيز. كما لم يعد هناك حرب باردة أو سياق تاريخى يسمح بديجول أو نهرو أو لومومبا أو عبدالناصر. كما لم تعد منصة الأمم المتحدة هى ذاتها التى طرقها «خرشوف» بحذائه فى ذلك اليوم البعيد (١٩٦٠).

4ـ إن التقدم إلى الأمام لا يكون إلا بالنظر إلى الأمام الذى علينا أن نمضى فى طريقه غير مثقلين بعبء ثأرات الماضى. التقدم إلى الأمام لا يكون إلا بكبح جماح أولئك الذين يحاولون أن يجرونا إلى ما قبل الخامس والعشرين من يناير، وليس فقط بقطع الطريق على أولئك الواهمين بالعودة إلى ما قبل الثلاثين من يونيو. ومن ثم فالقراءة الصحيحة «والآمنة» للنتائج تعنى ضرورة توجيه رسالة «واضحة قاطعة» لجماعات المصالح «الأوليجاركية» الذين يحاولون ترجمة النتائج على أنها جواز مرورهم للعودة بنظام ما قبل ٢٥ يناير القمعى الفاسد إلى سطوته ونفوذه. فإذا كانت النتائج، وأرقامها تقول بوضوح ألا عودة لحكم الإخوان المسلمين، فينبغى أن يكون هناك من يقول بالوضوح ذاته أن ذلك لن يعنى العودة إلى ما قبل الإخوان المسلمين. بل يعنى التقدم أماما إلى ما بعدهم.. إلى المستقبل.

5ـ إن المصريين الذين يشعرون بأنهم حوصروا بين «المطرقة والسندان» يحتاجون لمن يعطيهم الأمل فى أن هناك طريقا واضحا نحو مستقبل يريدونه؛ «دولة عصرية ديمقراطية حقيقية»‪.

•••

والخلاصة أنه إذا كانت هناك أسباب أخرجت الجماهير إلى الشوارع فى ٢٥ يناير، ثم أخرجتهم فى ٣٠ يونيو، فمن غير المنطقى تصور أن بقاء هذه الأسباب «أو تلك» على حالها لن يؤدى إلى «النتائج» ذاتها، مهما كانت «أرقام الصناديق». ولمن يريد أن يتذكر: لم تحم النتائج «الشكلية» لاستفتاء التعديلات الدستورية المباركية على المادتين ٧٦ و٧٧ نظام مبارك، كما لم تحم النتائج «الصحيحة» للانتخابات الرئاسية (٢٠١٢) التى جرت تحت الإشراف النزيه للقوات المسلحة نظام الإخوان. «فنتائج النتائج» هى الأهم. والجماهير، أو بالأحرى شبابهم الذين عرفوا طريقهم إلى الشارع لن يتراجعوا عن «حرية وعدل ومساواة» يطلبونها لمستقبلهم.

أرجوكم لا تكتفوا بالنتائج، «فنتائج النتائج» هى الأهم

•••

وبعد..

فكما سبق ونصحنا الإخوان «ولكنهم يكرهون الناصحين»، ننصح نظاما جديدا يتشكل: «الصندوقراطية» ليست وحدها الديمقراطية. فلا تغرنكم أرقامٌ يعلنها القاضى لأرقام الاقتراع. «فما بعد الأرقام» أهم. وتحت رماد ما قد يبدو استقرارا كثيرٌ جدا من ربما ما لا نراه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة:

النتائج الرسمية للاستفتاء على الوثيقة الدستورية الجديدة

نتائج الاستفتاء على دستور ٢٠١٢

نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية ١٩ مارس ٢٠١١

في الطريق الى الصناديق

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات