شىء من الهرولة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شىء من الهرولة

نشر فى : الإثنين 19 يناير 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 19 يناير 2015 - 8:40 ص

أقرب الروايات إلى الصحة فى قصة دعوة الرئيس لتوحيد القوائم الانتخابية أنه ليست هناك دعوة.

الفكرة ذاتها تسىء إلى أى معنى ديمقراطى وتسحب من أية انتخابات احترامها.

وهذه أسوأ رسالة سياسية عن الاستحقاق الأخير فى خريطة الطريق أمام المصريين وفى العالم كله.

فى حديث القوائم هناك فارق جوهرى بين ما هو طبيعى وما هو مصطنع.

الأول من أصول العمل السياسى فى طلب التوافق بين أية قوى سياسية متقاربة لرفع سقف حظوظها فى صناديق الاقتراع والثانى يلغى باسم التوافق كل خلاف سياسى وكل مساحة تنافس.

فى حديث القوائم هناك شىء من الهرولة إلى الماضى وأساليبه.

أفضل ما ينسب للرئيس أنه ينفى مرة بعد أخرى أية توجه لبناء حزب سلطة جديد غير أن هناك من يعرض خدماته كأن مصر لم تدفع ثمنا باهظا من حيويتها السياسية لمثل هذا النهج من «أحزاب السراى» إلى «الحزب الوطنى», وفيما يقول إن الدولة ليست طرفا فى الانتخابات النيابية فإن هناك من يريد أن يقحمه فى ألعاب الماضى وأن يصنع منه فرعونا جديدا تتوحد القوائم تحت رعايته.

كل ما قاله لرؤساء الأحزاب إنه لا يؤيد قائمة بعينها أو قائمة دون أخرى ردا على تساؤلات مشروعة ومخاوف فى محلها وأنه فى حالة توحدها فإنه سوف يؤيد ما توافقوا عليه.

بمعنى ما بدا أن هناك من يطالب الرئيس بأن يلعب الدور نفسه الذى كان يلعبه أسلافه كأن مصر لم تقم بثورتين من أجل بناء نظام جديد ينهض على قيم عصره.

بافتراض أن القوائم توحدت فما معنى أن يؤيدها أو لا يؤيدها الرئيس، لا شىء على الإطلاق باستثناء دمغ الانتخابات بالتعيينات والإساءة إلى سمعة النظام السياسى فى مجتمعه وعالمه.

إذا لم تكن هناك منافسة حقيقية وإجراءات جادة تضمن نزاهة الانتخابات فإن أحدا فى العالم لن يعترف بشرعية البرلمان الجديد.

وهذه ضربة موجعة لدولة تطلب تعافى اقتصادها وتراهن على جذب الاستثمارات الأجنبية وضربة موجعة أخرى لصورتها لها أثمانها السياسية، فليس من المعقول نسبة كل شىء إلى مؤامرات تحاك ضدنا دون أن ننظر مرة واحدة فى المرآة لنرى حجم ما نرتكبه من تجاوزات وانتهاكات.

بالنسبة إليه فهو ينظر إلى الانتخابات النيابية دون قلق، فأيا كانت نتائجها فإن أغلبية البرلمان الجديد سوف تؤيده والتحدى الاقتصادى عنده يفوق فى أهميته المشهد السياسى.

وهذه معضلة كبرى، فلا تعافى مضطرد للاقتصاد دون استقرار ولا استقرار بلا أمن ولا أمن بلا سياسة ولا أى شىء آخر فى إدارة الدولة قادر على الوفاء بمهامه عند تنحية السياسة.

الرئيس الطرف الأول فى المعضلة فهو يحكم بجهاز متهالك تسوده عقلية الماضى بخياراته وسياساته دون أن يثور على الأوضاع التى ورثها.. بحكم تكوينه العسكرى فهو منضبط ورجل عمل يقيس يومه على ما أنجزه فيه، وهذا إيجابى بيقين، غير أن الإنجاز نفسه يتآكل أثره مالم تكن السياسات قبل المشروعات والرؤى قبل التنفيذ، وبحكم متابعته قبل السلطة للحياة الحزبية فهو لا يكن لها احتراما كبيرا وصورتها أمامه ليست مشجعة على أى حوار أكثر جدية مما جرى.

الأحزاب الطرف الثانى فى المعضلة، فهى تفتقد بفداحة أى تماسك تنظيمى أو آلية انتخابية، بعضها أقرب إلى الشركات وأخرى تلخصها مقارها، القوى القديمة تآكلت عافيتها والقوى الجديدة أمامها وقت طويل لإثبات جدارتها.

بعد تحولات (٣٠) يونيو تفككت «جبهة الإنقاذ» وتبارت أغلب مكوناتها فى إعلان نهايتها بينما كانت نسبة كبيرة من عضوية الحكومة تنتسب إليها فضلا عن رئيسها «حازم الببلاوى» ونائبيه «حسام عيسى» و «زياد بهاء الدين» وفى نفس الوقت فإن منسقها العام «محمد البرادعى» أصبح نائبا لرئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية.

لم يحدث فى التاريخ أن جبهة سياسية تفككت على هذا النحو العشوائى بمجرد أن خطت إلى أعتاب السلطة، تصور كل طرف فيها أن الوقت قد حان لجنى الثمار وحده وإثبات قوته ونفوذه منفردا دون أى إدراك لأسباب قوة الجبهة التى تتجاوز أوضاع أحزابها، فالأغلبية الساحقة من المصريين الذين وقفوا تحت رايتها كانوا يبحثون عن راية واحدة لمعارضة تغول جماعة الإخوان المسلمين، ورغم التشققات والصدامات داخلها فإن الإرادة العامة أجبرت قادتها على الحفاظ عليها. والمعنى أنه قد أفلتت فرصة تاريخية لا تعوض لبناء قاعدة سياسية لسلطة حكم جديدة تلتزم بأصول الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

عند لحظة التفكيك العشوائى دخلت مصر فى فراغ سياسى موحش شجع الماضى على أن يطل برأسه من جديد وتهديد المسار الديمقراطى كله والدخول فى مشروع اضطراب لا تحتمله مصر.

وقد دفعت أحزاب الجبهة ثمنا مستحقا لسوء تقديراتها، فجرى الاستخفاف بها وتجاهل الأحزاب كلها لأية دعوات حوار حول قوانين الانتخابات التى تتعلق بمستقبلها مباشرة.

حجبت عن الأحزاب حقوقها الأساسية فى أن تعرض برامجها على الرأى العام وأن تحتكم إلى صناديق الاقتراع بقوائم نسبية تحدد حجم كل قوة سياسية واصطدمت بقسوة بالقوائم المطلقة التى يصعب على أى حزب أن يخوضها وحده كما يصعب تشكيلها بأية محاصصات حزبية.

لا أحد من الذين يعدون القوائم يعتقد أنها سوف تصمد يوما واحدا بعد إعلان النتائج، والمعنى أنها تفتقد إلى أى برنامج يجمع وأقرب إلى سيارة نقل عام ينزل ركابها واحدا تلو آخر عندما يصل إلى المحطة التى يقصدها. وهذا بذاته مأساة ديمقراطية فالناس تذهب للانتخابات لكى تختار توجها ما أو معنى سياسيا لا أن تضع أصواتها كيفما اتفق فى الصناديق.

المأساة تأخذ بعدا جديدا فى الكلام المتواتر عن القائمة الموحدة بطلب من الرئيس دون أن يكون ذلك دقيقا. فهو يكرس الصورة السلبية عن الأحزاب الحالية ومدى التزامها بالقواعد الديمقراطية والدستورية ويصور الأمر كله على أنه هرولة جديدة تكاد تشبه هرولة أعضاء حزب مصر الاشتراكى إلى الحزب الوطنى عندما انتقل الرئيس الأسبق «أنور السادات» من رئاسة الأولى إلى رئاسة الثانى.

الآن لا يمكن استبعاد احتمال دمج قائمتين تنتسبان إلى تجربة مشتركة فى «جبهة الإنقاذ»، وهذا طبيعى دون أن يردفه كلام عن طلب رئاسى، وهناك منافسة قوية متوقعة من قائمة تنتسب قياداتها إلى خبرة الدولة لكن ليس من حقها أن توحى بأنها تلقى دعما رئاسيا، فهذا خرق لأية قيمة فى الانتخابات يقوض معناها.

قواعد التنافس والنزاهة ضرورية فى هذه الانتخابات التى تستكمل بعدها مؤسسات الدولة لأول مرة منذ أربع سنوات. وهذه مسألة شرعية كما أن ما يسفر عنها من نتائج سوف تحدد صورة الحياة السياسية، فإما أن يحتوى البرلمان تفاعلاتها وإما أن تنتقل التفاعلات إلى الشوارع، والاحتمال الأخير مشروع اضطراب سياسى ينال من أية فرصة لتعافى اقتصادى أو استقرار أمنى.

بقدر ما يتسع المجال العام لحركة الأحزاب وإنفاذ الدستور الذى ينص على أن النظام السياسى يقوم على التعددية الحزبية والسياسية وتداول السلطة فإن البلد يكون على المسار الآمن بلا هرولة.