احذروا جرائم الفقر - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احذروا جرائم الفقر

نشر فى : الخميس 19 يناير 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 19 يناير 2017 - 9:50 م
قبل نحو شهر ونصف كنت برفقة أحد الأصدقاء ذاهبين إلى أحد المطاعم الشعبية الشهيرة فى منطقة روض الفرج بشبرا خلف سوق الجملة الشهير الذى تحول الآن إلى مركز للثقافة والفنون. سألنا شابين كانا يركبان موتوسيكل عن الشارع، فوصفا لنا المكان بسرعة وانطلقا. وبعد قليل فوجئنا بهما يقطعان علينا الطريق، وقال لنا أحدهما، إنه يريد مقابلا ماديا لما فعله حينما دلنا على الطريق!! أعطيته عشرة جنيهات، فقبلها على مضض. وبعد أقل من خمس دقائق فوجئنا به مرة أخرى يريد عشرة جنيهات أخرى لزميله!! وعندما رفضت قال ما معناه : «أنتم ذاهبون لتأكلوا فى هذا المطعم وسوف تدفعون مالا كثيرا وتستخسرون فينا عشرة جنيهات؟!».

الطريقة التى قال بها العبارة الأخيرة كانت عدوانية وصادمة، وللحظات تصورت أن الأمر يمكن أن يتطور إلى عمليات خطف تليفون أو أى عمل عنيف. لكن فى هذه اللحظة كان «العرق الصعيدى قد ضرب فى نافوخى» فوجهت له تهديدات واضحة وانتهى الأمر عند هذا الحد وانصرفا.

هذا الحادث العارض لم أستطع نسيانه بسهولة، ثم فوجئت أن زملاء آخرين قالوا إنهم يتعرضون لمواقف مماثلة فى هذه المنطقة وغيرها، بل إن بعض شباب هذه المنطقة وشيوخها وسيداتها قد امتهنوا مهنة «السايس» الذى يطارد كل من يذهب إلى هذا المطعم لكى يركن له سيارته وإلا فقد يتعرض للسرقة أو إتلاف السيارة وتشويهها، وكل ما لا تحمد عقباه!

فى الأسبوع التالى سمعت قصصا مختلفة عن جرائم جديدة تماما بالنسبة للمصريين، المعروفين تاريخيا بالشهامة والجدعنة، وأخطر هذه الجرائم عدم إغاثة الملهوف فى الشارع خصوصا إذا كانت سيدة تتعرض لمضايقات أو تحرشات ليست باللسان فقط، بل بالأيدى!.

فى الأسبوع الذى يليه حكت لى سيدة ذهبت إلى أحد فروع «كارفور» أنها فوجئت ببعض الذين دخلوا المحل يفتحون أكياس الخبز والجبنة ويأكلونها بالداخل، ثم ينصرفون من دون أن يدفعوا ثمنها، وبعضهم يعتقد مخطئا أن هذا أمر جائز وحلال ومشروع مادام لا يملك المال اللازم لشراء الأكل!

وفى الأسبوع الماضى حكى أحد الزملاء أنه بينما كان يسير فى أحد أكبر شوارع وسط البلد، قام اثنان يستقلان موتوسيكل بسرقة هاتفه المحمول، بينما كان يتحدث فيه، ثم اكتشف فى لمح البصر أن يده معلقة فى الهواء واللصان اختفيا من دون أن يوقفهما أحد!!.

القصص عن السرقة والجرائم الجديدة تتزايد يوما بعد يوم، وللموضوعية الشديدة لا يمكن أن نلوم الشرطة فى هذا الأمر تحديدا، لأن الموضوع أكبر من كونه ظاهرة أمنية فقط. لأن أعباء وتداعيات الأزمة الاقتصادية الراهنة، والانفلات غير المسبوق فى أسعار كل شىء من الدواء إلى المأكل والملبس والأجهزة والخدمات والنقل، صار يهدد بعواقب وخيمة.

سمعنا عن مواطنين يتخلصون من حياتهم انتحارا لعدم قدرتهم على مواجهة الواقع المرير، والمؤكد أن جرائم مثل الخطف والسطو والسرقة بمختلف أنواعها سوف تتزايد فى الفترة المقبلة. وبالتالى يصبح السؤال الجوهرى هو: كيف يمكن مواجهة كل ذلك؟!

مرة أخرى فإن أجهزة الأمن مهما أوتيت من قوة لن تستطيع مواجهة هذه الظاهرة بمفردها، خصوصا أنها تواجه تطرفا وإرهابا غير مسبوقين يتلقيان دعما ماديا ولوجستيا من دول وأجهزة إقليمية وربما دولية. المطلوب أولا أن ترسل الحكومة إشارة حقيقية للناس أن التقشف بسبب الأزمة الاقتصادية يتحمله الجميع كل حسب قدرته، وأن محاربة الفساد أمر لا تراجع عنه وسوف يطال الفاسد الصغير والكبير.

وعلى المدرسة والأسرة وسائر هيئات المجتمع المدنى لعب دور كبير يركز على أن السرقة لن تحل مشكلة الفقر، لأن معنى ذلك أن المجتمع سوف يسرق بعضه بعضا.

ويصاحب كل ذلك ضرورة تركيز أجهزة الأمن على محاربة الجريمة الجنائية، حتى لا يعتقد البعض أنها تفرغت فقط للأمن السياسى.. وقبل ذلك وبعده لا نملك إلا الدعاء.. ربنا يستر!
عماد الدين حسين  كاتب صحفي